انحصار تلك المواقف بثلاثة آراء لا غير. ولما كانت تلك الآراء الثلاثة منطبقة تمام الانطباق مع ما تقوله الشيعة الإمامية بشأن أهم المراسيل عندهم ـ وهي مراسيل الشيخ الصدوق في الفقيه ـ لذا كانت مناقشتنا تلك الآراء ـ في مواقع سردها ـ محدودة بالقدر الذي يكفل عدم التكرار مع ما سيأتي من تطبيق مفصل لتلك الخلاصة في البحث عن مراسيل الصدوق ، لما ذكرنا من عدم الفرق بين الشيعة الإمامية وغيرهم في خصوص تعدد المذاهب العلمية في المرسل ، وإن اختلفت من جهة بيان المصداق الفعلي لكل رأي من تلك الآراء كما سيأتي مفصلا بعد هذا الإجمال.
موقف الحنفية من المرسل :
ذكرنا في ما تقدم جملة من الأقوال الصريحة باحتجاج الأحناف بالحديث المرسل ، كاحتجاجهم بمراسيل الصحابة مطلقا ، وكذلك بشأن مراسيل القرنين الثاني والثالث ، ومرسل العدل في كل عصر ، والمرسل المروي من وجه آخر ، وجعله بعضهم أقوى من المسند ورجحه عليه عند التعارض ، وقد نسب الاحتجاج بالمرسل إلى أبي حنيفة نفسه وأصحابه ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي (١).
وقال الحاكم ـ بعد تعريف المراسيل ـ : «فهذه الأحاديث صحيحة عند جماعة أهل الكوفة كإبراهيم بن يزيد النخعي ، وحماد بن سليمان ، وأبي حنيفة ابن ثابت ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، ومحمد بن الحسن ، ومن بعدهم ، يحتج بها عند جماعتهم» (٢).
__________________
(١) شرح علل الترمذي : ١٨١.
(٢) المدخل : ١٥٥.