مناقشة وتقويم
إن سيرة القدماء ـ كالشيخ الصدوق (رحمهالله) ـ في كيفية الاحتجاج بالخبر بعد تصحيحه ، لا يمكن حصرها بأدلة أي من القولين السابقين ، لا باعتبار الوثاقة في الراوي ، ولا باعتماد القرائن المحتفة بخبره وإن كان بعضها كاشفا عن صدقه في إخباره ومستلزما له كالقرائن الدالة على صحة الخبر في نفسه لا صحة متضمنه ، بل بهما معا.
ومدار عمل الصدوق (رحمهالله) ووالده في الفقه كان على طبق نصوص الأخبار كما هو واضح من كتب الصدوق (رحمهالله) ك : الفقيه والمقنع والهداية ، ومن رسالة أبيه إليه أيضا ، ولهذا لا تكاد تجد في فقههما تلك التفريعات التي فتح بابها شيخ الطائفة بمذاقه الفقهي وعقليته الجبارة في كتابه الرائع المبسوط (١) اللهم إلا بمقدار ما تشتمل عليه نصوص الأخبار من تلك التفريعات.
والأخبار التي احتج بها الصدوق (رحمهالله) هي الأخبار المشهورة والمستفيضة والمتواترة ، علما بأن التواتر عنده يتم بنقل ثلاثة أنفس فما فوقهم (٢).
وأما خبر الواحد الذي لم يصل إلى درجة الاستفاضة والشهرة ، ولم يحتف بقرينة تدل على صحته وكان من محض الآحاد ، فقد منع العمل به الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي أيضا ـ مع اشتراطه عدم
__________________
(١) راجع مقدمة كتاب «المبسوط» ستجد التصريح بما ذكرناه.
(٢) إكمال الدين ١ / ٨٤.