علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله» الحديث.
والظاهر أن (ما) لا يمكن حملها في الكل على العموم كما لا يخفى فلا تغفل. وذكر بعضهم أن الكافر إذا أسلم يلزمه التوبة والندم على ما سلف مع الإيمان حتى يغفر له وفيه تأمل فتأمل (وَقاتِلُوهُمْ) عطف على (قُلْ) وعم الخطاب لزيادة ترغيب المؤمنين في القتال لتحقيق ما يتضمنه قوله سبحانه : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) من الوعيد (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي لا يوجد منهم شرك كما روي عن ابن عباس. والحسن ، وقيل : المراد حتى لا يفتتن مؤمن عن دينه (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وتضمحل الأديان الباطلة كلها إما بهلاك أهلها جميعا أو برجوعهم عنها خشية القتل ، قيل : لم يجىء تأويل هذه الآية بعد وسيتحقق مضمونها إذا ظهر المهدي فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلا على ما روي عن أبي عبد الله رضي الله عنه (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر بقتالكم (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الجملة قائمة مقام الجزاء أي فيجازيهم على انتهائهم وإسلامهم ، أو جعلت مجازا عن الجزاء أو كناية أو فكونه تعالى بصيرا أمر ثابت قبل الانتهاء وبعده ليس معلقا على شيء. وعن يعقوب أنه قرأ «تعملون» بالتاء على أنه خطاب للمسلمين المجاهدين أي بما تعملون من الجهاد المخرج لهم إلى الإسلام ، وتعليق الجزاء بانتهائهم للدلالة على أنهم يثابون بالسببية كما يثاب المباشرون بالمباشرة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) ولم ينتهوا عن كفرهم (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) أي ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم (نِعْمَ الْمَوْلى) لا يضيع من تولاه (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) لا يغلب من نصره : هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) تأديب منه سبحانه لأهل بدر وهداية لهم إلى فناء الأفعال حيث سلب الفعل عنهم بالكلية ، ويشبه هذا من وجه قوله سبحانه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) والفرق أنه لما كان النبي صلىاللهعليهوسلم في مقام البقاء بالحق سبحانه إليه الفعل بقوله تعالى : (إِذْ رَمَيْتَ) مع سلبه عنه ب (ما رَمَيْتَ) وإثباته لله تعالى في حيز الاستدراك ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع فيكون الرامي محمدا عليه الصلاة بالله تعالى لا بنفسه ولعلو مقامه صلىاللهعليهوسلم وعدم كونهم في ذلك المقام الأرفع نسب سبحانه إليه صلىاللهعليهوسلم ما نسب ولم ينسب إليهم رضي الله تعالى عنهم من الفعل شيئا ، وهذا أحد أسرار تغيير الأسلوب في الجملتين حيث لم ينسب في الأولى ونسب في الثانية ، بقي سر التعبير بالمضارع المنفي «بلم» في إحداهما والماضي المنفي «بما» في الأخرى فارجع إلى فكرك. فلعل الله تعالى يفتحه عليك : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي ليعطيهم عطاء جميلا وهو توحيد الأفعال ، والمراد لهذا فعل ذلك (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بخطرات نفوسكم بنسبة القتل إليكم (عَلِيمٌ) بأنه القاتل حقيقة وكونكم مظهرا لفعله (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) لاحتجابهم بأنفسهم (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) الآية ، قيل فيها : أي تفتحوا أبواب قلوبكم بمفاتيح الصدق والإخلاص وترك السوي في طلب التجلي (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) بالتجلي فإنه سبحانه لم يزل متجليا ولا يزال لكن لا يدرك ذلك إلا من فتح قلبه (وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن طلب السوي (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لما فيه من الفوز بالمولى (وَإِنْ تَعُودُوا) إلى طلب الدنيا وزخارفها (نَعُدْ) إلى خذلانكم ونكلكم إلى أنفسكم (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) الدنيوية (شَيْئاً) مما لخاصته سبحانه (وَلَوْ كَثُرَتْ) لأنها كسراب بقيعة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) لأن ثمرة السماع الفهم والتصديق وثمرتهما الإرادة وثمرتها الطاعة فلا تصح دعوى السماع مع الاعراض (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لكونهم محجوبين عن الفهم (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُ) عن السماع (الْبُكْمُ) عن القبول (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) لما ذا خلقوا (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) استعدادا صالحا (لَأَسْمَعَهُمْ) سماع تفهم (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) مع عدم علم الخير فيهم (لَتَوَلَّوْا) ولم ينتفعوا به وارتدوا سريعا إذ شأن العارض الزوال وهم معرضون بالذات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا