اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) بالتصفية (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) وهو العلم بالله تعالى ، وقد يقال : استجيبوا لله تعالى بالباطن والأعمال القلبية وللرسول بالظاهر والأعمال النفسية ، أو استجيبوا لله تعالى بالفناء في الجمع وللرسول عليه الصلاة والسلام بمراعاة حقوق التفصيل إذا دعاكم لما يحييكم من البقاء (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فيزول الاستعداد فانتهزوا الفرصة (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فيجازيكم على حسب مراتبكم (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بل تشملهم وغيرهم بشؤم الصحبة (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) من حيث القدر لجهلكم (مُسْتَضْعَفُونَ) في أرض النفس (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أي ناس القوى الحسية لضعف نفوسكم (فَآواكُمْ) إلى مدينة العلم ، (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في مقام توحيد الأفعال (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي علوم تجليات الصفات (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ذلك ، وقد يقال : واذكروا أيها الأرواح والقلوب إذ كنتم قليلا ليس معكم غيركم إذ لم ينشأ لكم بعد الصفات والأخلاق والروحانية (مُسْتَضْعَفُونَ) في أرض البدن (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) من النفس وأعوانها (فَآواكُمْ) إلى حظائر قدسه (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) بالواردات الربانية (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) وهي تجلياته سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ) بترك الإيمان (وَالرَّسُولَ) بترك التخلق بأخلاقه عليه الصلاة والسلام (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) وهي ما رزقكم الله تعالى من القدرة وسلامة الآلات بترك الأعمال الحسنة أو لا تخونوا الله تعالى بنقض ميثاق التوحيد الفطري السابق والرسول عليه الصلاة والسلام بنقض العزيمة ونبذ العقد اللاحق وتخونوا أماناتكم من المعارف والحقائق التي استودع الله تعالى فيكم حسب استعدادكم بإخفائها بصفات النفس (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قبح ذلك أو تعلمون أنكم حاملوها (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) يختبركم الله تعالى بها ليرى أتحتجبون بمحبتها عن محبته أو لا تحتجبون (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لمن لا يفتتن بذلك ولا يشغله عن محبته (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) بالاجتناب عن الخيانة والاحتجاب بمحبة الأموال والأولاد (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) نورا تفرقون به بين الحق والباطل ، وربما يقال : إن ذلك إشارة إلى نور يفرقون به بين الأشياء بأن يعرفوها بواسطته معرفة يمتاز بها بعضها عن بعض وهو المسمى عندهم بالفراسة. وفي بعض الآثار «اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور من نور الله تعالى» (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) وهي صفات نفوسكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوب ذواتكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فيجعل لكم الفرقان ويفعل ويفعل (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية جعلها بعضهم خطابا للنبي صلىاللهعليهوسلم ومعناها ما ذكرناه سابقا ، وجعلها بعضهم خطابا للروح وهو تأويل أنفسي ، أي وإذ يمكر بك أيها الروح الذين كفروا وهي النفس وقواها (لِيُثْبِتُوكَ) ليقيدوك في أسر الطبيعة (أَوْ يَقْتُلُوكَ) بانعدام آثارك (أَوْ يُخْرِجُوكَ) من عالم الأرواح (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) لأنك الرحمة للعالمين (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) إذ لا ذنب مع الاستغفار ولا عذاب من غير ذنب (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) أي إنهم مستحقون لذلك كيف لا وهم يصدون المستعدين عن المسجد الحرام الذي هو القلب باغرائهم على الأمور النفسانية واللذات الطبيعية (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) لغلبة صفات أنفسهم عليهم (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) تلك الصفات (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك الحكم ، وقال النيسابوري : ولكن أكثرهم أي المتقين لا يعلمون أنهم أولياؤه لأن الولي قد لا يعرف أنه ولي (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ) وهو ذلك المسجد (إِلَّا مُكاءً) إلا وساوس وخطرات شيطانية
__________________
«تم والحمد لله طبع الجزء التاسع من تفسير روح المعاني للعلامة الألوسي ويتلوه إن شاء الله الجزء العاشر مفتتحا بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى إتمامه إنه على ما يشاء قدير»