بالحركات الثلاث شط الوادي وأصله من العدو التجاوز والقراءة المشهورة الضم والكسر وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب.
وقرأ الحسن وزيد بن علي وغيرهما بالفتح وكلها لغات بمعنى ولا عبرة بإنكار بعضها و (الدُّنْيا) تأنيث الأدنى أي إذ أنتم نازلون بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة (وَهُمْ) أي المشركون (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) أي البعدى من المدينة وهو تأنيث الأقصى ، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «القصيا» ومن قواعدهم أن فعلى من ذوات الواو إذا كان اسما تبدل لامه ياء كدنيا فإنه من دنا يدنو إذا قرب ، ولم يبدل من قصوى على المشهور لأنه بحسب الأصل صفة ولم يبدل فيها للفرق بين الصفة والاسم ، وإذا اعتبر غلبته وأنه جرى مجرى الأسماء الجامدة قيل قصيا وهي لغة تميم والأولى لغة أهل الحجاز ، ومن أهل التصريف من قال : إن اللغة الغالبة العكس فإن كانت صفة أبدلت اللام نحو العليا وإن كانت اسما أقرت نحو حزوى ؛ قيل : فعلى هذا القصوى شاذة والقياس قصيا ، وعنوا بالشذوذ مخالفة القياس لا الاستعمال فلا تنافي الفصاحة ، وذكروا في تعليل عدم الابدال بالفرق أنه إنما لم يعكس الأمر وإن حصل به الفرق أيضا لأن الصفة أثقل فأبقيت على الأصل الأخف لثقل الانتقال من الضمة إلى الياء ، ومن عكس أعطى الأصل للأصل وهو الاسم وغير في الفرق للفرع (وَالرَّكْبُ) أي العير أو أصحابها أبو سفيان وأصحابه وهم اسم جمع راكب لا جمع على الصحيح (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي في مكان أسفل من مكانكم يعني ساحل البحر ، وهو نصب على الظرفية وفي الأصل صفة للظرف كما أشرنا إليه ولهذا انتصب انتصابه وقام مقامه ولم ينسلخ عن الوصفية خلافا لبعضهم وهو واقع موقع الخبر ، وأجاز الفراء. والأخفش رفعه على الاتساع أو بتقدير موضع الركب أسفل ، والجملة عطف على مدخول إذ ، أي إذ أنتم إلخ وإذ الركب إلخ.
واختار الجمهور أنها في موضع الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور قبل ، ووجه الاطناب في الآية مع حصول المقصود بأن يقال : يوم الفرقان يوم النصر والظفر على الأعداء مثلا تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر والامتنان والدلالة على أنه من الآيات الغر المحجلة وغير ذلك وهذا مراد الزمخشري بقوله : فائدة هذا التوقيت ، وذكر مراكز الفريقين وأن العير كان أسفل منهم الإخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدو وشوكته وتكامل عدته وتمهد أسباب العدة له وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعا من الله تعالى ودليلا على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله سبحانه وقوته وباهر قدرته ، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل وكانت العير وراء ظهر العدو مع كثرة عددهم فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم وتشحذ في المقاتلة عنها نياتهم وتوطن نفوسهم على أن لا يبرحوا مواطنهم ولا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى نجدتهم وقصارى شدتهم وفيه تصوير ما دبر سبحانه من أمر تلك الوقعة ، وليس السؤال عن فائدة الإخبار بما هو معلوم للمخاطب ليكون الجواب بأن فائدته لازمة كما ظنه غير واحد لما لا يخفى ، وعلى هذا الطرز ذكر قوله تعالى : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي لو تواعدتم أنتم وهم القتال وعلمتم حالهم وحالكم لاختلفتم أنتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم ، وجعل الضمير الأول شاملا للجمعين تغليبا والثاني للمسلمين خاصة هو المناسب للمقام إذ القصد فيه إلى بيان ضعف المسلمين ونصرة الله تعالى لهم مع ذلك ، والزمخشري جعله فيهما شاملا للفريقين لتكون الضمائر على وتيرة واحدة من غير تفكيك على معنى لو تواعدتم أنتم وأهل مكة لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم والمؤمنين فلم يتفق لكم من التلاقي ما وفقه الله تعالى من التلاقي