وتضعفوا عن قتالهم. والفعل منصوب بأن مقدرة في جواب النهي ، ويحتمل أن يكون مجزوما عطفا عليه ، وقوله تعالى : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) بالنصب معطوف على (فَتَفْشَلُوا) على الاحتمال الأول. وقرأ عيسى بن عمر «ويذهب» بياء الغيبة والجزم وهو عطف عليه أيضا على الاحتمال الثاني. والريح كما قال الأخفش مستعارة للدولة لشبهها بها في نفوذ أمرها وتمشيه. ومن كلامهم هبت رياح فلان إذ دالت له الدولة وجرى أمره على ما يريد وركدت رياحه إذا ولت عنه وأدبر أمره وقال :
إذا هبت رياحك فاغتنمها |
|
فإن لكل خافقة سكون |
ولا تغفل عن الإحسان فيها |
|
فما تدري السكون متى يكون |
وعن قتادة وابن زيد أن المراد بها ريح النصر وقالا : لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تعالى تضرب وجوه العدو. وعن النعمان بن مقرن قال : شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تميل الشمس وتهب الرياح ، وعلى هذا تكون الريح على حقيقتها ، وجوز أن تكون كناية عن النصر وبذلك فسرها مجاهد (وَاصْبِرُوا) على شدائد الحرب (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالإمداد والإعانة وما يفهم من كلمة مع من أصالتهم بناء على المشهور من حيث إنهم المباشرون للصبر فهم متبوعون من تلك الحيثية.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) بعد أن أمروا بما أمروا من أحاسن الأعمال ونهوا عما يقابلها ، والمراد بهم أهل مكة أبو جهل وأصحابه حين خرجوا لحماية العير (بَطَراً) أي فخرا وأشرا (وَرِئاءَ النَّاسِ) ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره أرسل إلى قريش أن ارجعوا فقد سلمت العير فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ونشرب الخمور وتعزف علينا القينات ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها ولكن سقوا كأس المنايا بدل الخمور وناحت عليهم النوائح ، بدل القينات وكانت أموالهم غنائم بدلا عن بذلها ، ونصب المصدرين على التعليل ، ويجوز أن يكونا في موضع الحال ، أي بطرين مراءين ، وعلى التقديرين المقصود نهي المؤمنين أن يكونوا أمثالهم في البطر والرياء وأمرهم بأن يكونوا أهل تقوى وإخلاص إذا قلنا : إن النهي عن الشيء أمر بضده.
(وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عطف على (بَطَراً) وهو ظاهر على تقدير أنه حال بتأويل اسم الفاعل لأن الجملة تقع حالا من غير تكلف وأما على تقدير كونه مفعولا له فيحتاج إلى تكلف لأن الجملة لا تقع مفعولا له ، ومن هنا قيل : الأصل أن يصدوا فلما حذفت أن المصدرية ارتفع الفعل مع القصد إلى معنى المصدرية بدون سابك كقوله :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى |
|
أي عن أن أحضر ، وهو شاذ |
واختير جعله على هذا استئنافا ، ونكتة التعبير بالاسم أولا والفعل أخيرا أن البطر والرياء دأبهم بخلاف الصد فإنه تجدد لهم في زمن النبوة (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) فيجازيهم عليه (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) مقدر بمضمر خوطب به النبي صلىاللهعليهوسلم بطريق التلوين على ما قيل ، ويجوز أن يكون المضمر مخاطبا به المؤمنون والعطف على لا تكونوا ، أي واذكروا إذ زين لهم الشيطان أعمالهم في معاداة المؤمنين وغيرها بأن وسوس إليهم (وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي ألقى في روعهم وخيل لهم أنهم يغلبون لكثرة عددهم وعددهم وأوهمهم ان اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم وحافظ عن السوء حتى قالوا : اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الدينين ، فالقول مجاز عن الوسوسة ، والإسناد في (إِنِّي جارٌ) من قبيل الإسناد إلى السبب الداعي و (لَكُمُ) خبر (لا) أو صفة (غالِبَ) والخبر محذوف ، أي لا غالب كائنا لكم موجود و (الْيَوْمَ) معمول الخبر ولا يجوز