تعالى إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره وهو آلة حقا في كونه واسطة في التعريف ، فقول الرائي : رأيت الله تعالى نوما لا يعني به أنه رأى ذاته تعالى.
وقال أيضا : من رآه صلىاللهعليهوسلم مناما لم يرد رؤيته حقيقة بشخصه المودع روضة المدينة بل رؤية مثاله وهو مثال روحه المقدسة عليه الصلاة والسلام.
قيل : ومن هنا يعلم جواب آخر للاشكال وهو أن مرادهم أن ما يرى في المنام ليس له حقيقة ثابتة في نفس الأمر كما أن المرئي في اليقظة كذلك بل هو مثال متخيل يظهره الله تعالى للنفس في المنام كما يظهر لها الأمور الغيبية بعد الموت والنوم والموت اخوان ، ووصف ما ذكر بالباطل لعله من قبيل وصف العالم به في قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وأنت تعلم أن ما ذكره حجة الإسلام ليس مما اتفق عليه علماؤه فقد ذهب جمع إلى أن رؤيته صلىاللهعليهوسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة وبغيرها إدراك للمثال ، على أن كلام المتكلمين ظاهر المخالفة للكتاب والسنة ولا يكاد يسلم تأويله عن شيء فتأمل. ولعل النوبة تفضي إلى ذكر زيادة كلام في هذا المقام.
وبالجملة إنكار الرؤيا على الإطلاق ليس في محله كيف وقد جاء في مدحها ما جاء. ففي صحيح مسلم : أيها الناس لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها مسلم أو ترى له. وجاء في أكثر الروايات أنها جزء من ست وأربعين. ووجه ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام عمل بها ستة أشهر في مبدأ الوحي وقد استقام ينزل عليه الوحي ثلاثا وعشرين سنة ، ولا يتأتى هذا على رواية خمس وأربعين ، وكذا على رواية سبعين جزءا أو رواية ست وسبعين وهي ضعيفة ورواية ست وعشرين وقد ذكرها ابن عبد البر ورواية النووي من أربعة وعشرين والله تعالى أعلم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) أي حاربتم جماعة من الكفرة ولم يصفها سبحانه لظهور أن المؤمنين لا يحاربون إلا الكفار ، وقيل : ليشمل بإطلاقه البغاة ولا ينافيه خصوص سبب النزول ، ومنهم من زعم أن الانقطاع معتبر في معنى الفئة لأنها من فأوت أي قطعت والمنقطع عن المؤمنين إما كفار أو بغاة ، وبني على ذلك أنه لا ينبغي أن يقال : لم توصف لظهور إلخ وليس بشيء كما لا يخفى ، واللقاء قد غلب في القتال كالنزال. وتصدير الخطاب بحرفي النداء والتنبيه إظهارا لكمال الاعتناء بمضمون ما بعده (فَاثْبُتُوا) للقائهم (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) [الأنفال : ١٥] والظاهر أن المراد إلا وأو على ما مر (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) أي في تضاعيف القتال ، وفسر بعضهم هذا الذكر بالتكبير ، وبعضهم بالدعاء ورووا أدعية كثيرة في القتال منها : اللهم أنت ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك فاقتلهم واهزمهم ، وقيل : المراد بذكره سبحانه اخطاره بالقلب وتوقع نصره ، وقيل : المراد اذكروا ما وعدكم الله تعالى من النصر على الأعداء في الدنيا والثواب في الآخرة ليدعوكم ذلك إلى الثبات في القتال (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي تفوزون بمرامكم من النصر والمثوبة ، والأولى حمل الذكر على ما يعم التكبير والدعاء وغير ذلك من أنواع الذكر ، وفي الآية تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر مولاه سبحانه ، وذكره جل شأنه في مثل ذلك الموطن من أقوى أدلة محبته جل شأنه ، ألا ترى من أحب مخلوقا مثله كيف يقول :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل |
|
مني وبيض الهند تشرب من دمي |
فوددت تقبيل السيوف لأنها |
|
برقت كبارق ثغرك المتبسم |
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في كل ما تأتون وما تذرون ويندرج في ذلك ما أمروا به هنا (وَلا تَنازَعُوا) باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر وأحد. وقرئ «ولا تنازعوا» بتشديد التاء (فَتَفْشَلُوا) أي فتجبنوا عن عدوكم