إن كان لي صديق فهو زيد فإن قائله لا يريد به الشك في صداقة زيد بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلى غيره ولا محظور في اعتقاد ذلك بعد اعتقاد أن المذكورات أمارات وأن الفاعل هو الله تبارك وتعالى. وقرأ الحسن «ومن ربط الخيل» بضم الباء وسكونها جمع رباط ، وعطف ما ذكر على القوة بناء على المعنى الأول لها للايذان بفضلها على سائر أفرادها كعطف جبريل وميكال على الملائكة عليهمالسلام (تُرْهِبُونَ بِهِ) أي تخوفون به ، وعن الراغب أن الرهبة والرهب مخافة مع تحرز واضطراب وعن يعقوب أنه قرأ (تُرْهِبُونَ) بالتشديد.
وقرأ ابن عباس. ومجاهد «تخزون» والضمير المجرور لما استطعتم أو للاعداد وهو الأنسب ، والجملة في محل النصب على الحالية من فاعل أعدوا أي أعدوا مرهبين به ، أو من الموصول كما قال أبو البقاء ، أو من عائده المحذوف أي أعدوا ما استطعتموه مرهبا به ، وفي الآية إشارة إلى عدم تعين القتال لأنه قد يكون لضرب الجزية ونحوه مما يترتب على إرهاب المسلمين بذلك (عَدُوَّ اللهِ) المخالفين لأمره سبحانه (وَعَدُوَّكُمْ) المتربصين بكم الدوائر ، والمراد بهم على ما ذكره جمع أهل مكة وهم في الغاية القصوى من العداوة ، وقيل : المراد هم وسائر كفار العرب (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) أي من غيرهم من الكفرة ، وقال مجاهد : هم بنو قريظة ، وقال مقاتل وابن زيد : هم المنافقون ، وقال السدي : هم أهل فارس.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر وجماعة عن يزيد بن عبد الله بن غريب عن أبيه عن جده عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «هم الجن ولا يخبل الشيطان إنسانا في داره فرس عتيق» وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا ، واختاره الطبري وإذا صح الحديث لا ينبغي العدول عنه ، وقوله سبحانه : (لا تَعْلَمُونَهُمُ) أي لا تعرفونهم بأعيانهم (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) لا غير في غاية الظهور وله وجه على غير ذلك وإطلاق العلم على المعرفة شائع وهم المراد هنا كما عرفت ولذا تعدى إلى مفعول واحد ، وإطلاق العلم بمعنى المعرفة على الله تعالى لا يضر. نعم منع الأكثر إطلاق المعرفة عليه سبحانه وجوزه البعض بناء على إطلاق العارف عليه تعالى في نهج البلاغة وفيه بحث ، وبالجملة لا حاجة إلى القول بأن الإطلاق هنا للمشاكلة لما قبله ، وجوز أن يكون العلم على أصله ومفعوله الثاني محذوف أي لا تعلمونهم معادين أو محاربين لكم بل الله تعالى يعلمهم كذلك وهو تكلف ، واختار بعضهم أن المعنى لا تعلمونهم كما عليه من العداوة وقال : إنه الأنسب بما تفيده الجملة الثانية من الحصر نظرا إلى تعليق المعرفة بالأعيان لأن أعيانهم معلومة لغيره تعالى أيضا وهو مسلم نظرا إلى تفسيره ، وأما الاحتياج إليه في تفسير النبي صلىاللهعليهوسلم ففيه تردد.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) جل أو قل (فِي سَبِيلِ اللهِ) وهي وجوه الخير والطاعة ويدخل في ذلك النفقة في الاعداد السابق والجهاد دخولا أوليا ، وبعضهم خصص اعتبار للمقام (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي يؤدى بتمامه والمراد يؤدى إليكم جزاؤه فالكلام على تقدير المضاف أو التجوز في الإسناد (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) بترك الاثابة أو بنقص الثواب ، وفي التعبير عن ذلك بالظلم مع أن له سبحانه أن يفعل ما يشاء للمبالغة كما مر.
(وَإِنْ جَنَحُوا) الجنوح الميل ومنه جناح الطائر لأنه يتحرك ويميل ويعدى باللام وبإلى أي وإن مالوا (لِلسَّلْمِ) أي الاستسلام والصلح وقرأ ابن عباس وأبو بكر بكسر السين وهو لغة (فَاجْنَحْ لَها) أي للسلم ، والتأنيث لحمله على ضده وهو الحرب فإنه مؤنث سماعي. وقال أبو البقاء : إن السلم مؤنث ولم يذكر حديث الحمل وأنشدوا.
السلم تأخذ منها ما رضيت به |
|
والحرب تكفيك من أنفاسها جرع |
وقرأ الأشهب العقيلي «فاجنح» بضم النون على أنه من جنح يجنح كقعد يقعد وهي لغة قيس والفتح لغة تميم