(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) أي الأشراف منهم وهم أهل مشورته ورؤساء دولته.
(إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) أي مبالغ في علم السحر ماهر فيه (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) أي من أرض مصر (فَما ذا تَأْمُرُونَ) أي تشيرون في أمره كما فسره بذلك ابن عباس ، فهو من الأمر بمعنى المشاورة ، يقال : آمرته فآمرني أي شاورته فأشار علي ، وقيل من الأمر المعهود ، وما ذا في محل نصب على أنه مفعول لتأمرون بحذف الجار ، أي بأي شيء تأمرون ، وقيل : (فَما) خبر مقدم و (ذا) اسم موصول مبتدأ مؤخر ، أي ما الذي تأمرون به (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي أخر أمرهما وأصدرهما عنك ولا تعجل في أمرهما حتى ترى رأيك فيهما ، وقيل : احبسهما ، واعترض بأنه لم يثبت منه الحبس.
وأجيب بأن الأمر به لا يوجب وقوعه ، وقيل عليه أيضا : إنه لم يكن قادرا على الحبس بعد أن رأى ما رأى ، وقوله : (لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) في الشعراء [٢٩] كان قبل هذا ، وأجيب بأن القائلين لعلهم لم يعلموا ذلك منه ، وقال أبو منصور : الأمر بالتأخير دل على أنه تقدم منه أمر آخر وهم الهم بقتله ، فقالوا : أخره ليتبين حاله للناس ، وليس بلازم كما لا يخفى ؛ وأصل أرجه أرجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمومة دون واو ثم حذفت الهمزة وسكنت الهاء لتشبيه المنفصل بالمتصل ، وجعل أرجه كإبل في إسكان وسطه ، وبذلك قرأ أبو عمرو. وأبو بكر. ويعقوب على أنه من أرجات ، وكذلك قراءة ابن كثير وهشام وابن عامر «أرجئهو» بهمزة ساكنة وهاء متصلة بواو الإشباع.
وقرأ نافع في رواية ورش وإسماعيل والكسائي «أرجهي» بهاء مكسورة بعدها ياء من أرجيت ، وفي رواية قالون «أن أرجه» بحذف الياء للاكتفاء عنها بالكسرة ، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان «أرجئه» بالهمزة وكسر الهاء ، وقد ذكر بعضهم أن ضم الهاء وكسرها والهمز وعدمه لغتان مشهورتان ، وهل هما مادتان أو الياء بدل من الهمزة كتوضأت وتوضيت؟ قولان ، وطعن في القراءة على رواية ابن ذكوان ، فقال الحوفي : إنها ليست بجيدة ، وقال الفارسي : إن ضم الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره وكسرها غلط لأن الهاء لا تكسر إلا بعد ياء ساكنة أو كسرة ، وأجيب كما قال الشهاب عنه بوجهين : أحدهما أن الهمزة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة فلذا كسرت ، والثاني أن الهمزة عرضة للتغيير كثيرا بالحذف وإبدالها ياء إذا سكنت بعد كسرة فكأنها وليت ياء ساكنة فلذا كسرت. وأورد على ذلك أبو شامة أن الهمزة تعد حاجزا وأن الهمزة لو كانت ياء كان المختار الضم نظرا لأصلها وليس بشيء بعد أن قالوا : إن القراءة متواترة وما ذكر لغة ثابتة عن العرب ، هذا واستشكل الجمع بين ما هنا وما في الشعراء فإن فيها (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) وهو صريح في أن (إِنَّ هذا لَساحِرٌ) إلى (فَما ذا تَأْمُرُونَ) كلام فرعون وما هنا صريح في نسبة قول ذلك للملإ والقصة واحدة فكيف يختلف القائل في الموضعين وهل هذا إلا منافاة؟ وأجيب بأنه لا منافاة لاحتمالين. الأول أن هذا الكلام قال فرعون والملأ من قومه فهو كوقع الحافر على الحافر فنقل في الشعراء كلامه وهنا كلامهم ، والثاني أن هذا الكلام قاله فرعون ابتداء ثم قاله الملأ إما بطريق الحكاية لأولادهم وغيرهم وإما بطريق التبليغ لسائر الناس فما في الشعراء كلام فرعون ابتداء وما هنا كلام الملأ نقلا عنه.
واختار الزمخشري أن ما هنا هو قال الملأ نقلا عن فرعون بطريق التبليغ لا غير لأن القوم لما سمعوه خاطبوا فرعون بقولهم : أرجه إلخ ، ولو كان ذلك كلام الملأ ابتداء لكان المطابق أن يجيبوهم بأرجئوا ، ولا سبيل إلى أنه كان نقلا بطريق الحكاية لأنه حينئذ لم يكن مؤامرة ومشاورة مع القوم فلم يتجه جوابهم أصلا ، فتعين أن يكون بطريق التبليغ فلذا خاطبوه بالجواب. بقي أن يقال هذا الجواب بالتأخير في الشعراء كلام الملأ لفرعون وهاهنا كلام سائر القوم. لكن