وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا سبعين ساحرا وقد أخذوا السحر من رجلين مجوسيين من أهل نينوى مدينة يونس عليهالسلام ، وروي نحو ذلك عن الكلبي ، والظاهر عدم صحته لأن المجوسية ظهرت زمن زرادشت على المشهور ، وهو إنما جاء بعد موسى عليهالسلام ، واسم رئيسهم كما قال مقاتل : شمعون وقال ابن جريج: هو يوحنا ، وقال ابن الجوزي نقلا عن علماء السير : إن رؤساءهم سابور وعازور وحطحط ومصفى (قالُوا) استئناف بياني ولذا لم يعطف كأنه قيل : فما ذا قالوا له عند مجيئهم إياه؟ فقيل : قالوا إلخ ، وهذا أولى مما قيل إنه حال من فاعل جاءوا أي جاءوا قائلين (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) أي عوضا وجزاء عظيما.
(إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) والمقصود من الإخبار إيجاب الأجر واشتراطه كأنهم قالوا : بشرط أن تجعل لنا أجرا إن غلبنا ، ويحتمل أن يكون الكلام على حذف أداة الاستفهام وهو مطرد ؛ ويؤيد ذلك أنه قرأ ابن عامر وغيره «أإن» بإثبات الهمزة وتوافق القراءتين أولى من تخالفهما ؛ ومن هنا رجح الواحدي هذا الاحتمال ، وذكر الشرط لمجرد تعيين مناط ثبوت الأجر لا لترددهم في الغلبة ، وقيل : له ، وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر ، أي كنا نحن الغالبين لا موسى عليهالسلام (قالَ نَعَمْ) إن لكم لأجرا.
(وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) عطف على مقدر هو عين الكلام السابق الدال عليه حرف الإيجاب ، ويسمى مثل هذا عطف التلقين ، ومن قال إنه معطوف على السابق أراد ما ذكرنا ، والمعنى إن لكم لأجرا وإنكم مع ذلك لمن المقربين ، أي إني لا أقتصر لكم على العطاء وحده وإن لكم معه ما هو أعظم منه وهو التقريب والتعظيم لأن من أعطى شيئا إنما يتهنأ به ، ويغتبط إذا نال معه الكرامة والرفعة ، وفي ذلك من المبالغة في الترغيب والتحريض ما لا يخفى ، وروي عن الكلبي أنه قال لهم : تكونون أول من يدخل مجلسي وآخر من يخرج عنه (قالُوا) استئناف كنظيره السابق (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) ما تلقي أولا (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) لما نلقي أولا أو الفاعلين للإلقاء أو لا خيروه عليهالسلام بالبدء بالإلقاء مراعاة للأدب ولذلك كما قيل منّ الله تعالى عليهم بما منّ ، أو إظهارا للجلادة وأنه لا يختلف عليهم الحال بالتقديم والتأخير ، ولكن كانت رغبتهم في التقديم كما ينبئ عنه تغييرهم للنظم بتعريف الخبر وتوسيط ضمير الفصل وتوكيد الضمير المستتر ، والظاهر أنه وقع في المحكي كذلك بما يرادفه ، وقول الجلال السيوطي : إن الضمير المنفصل إما أن يكون فصلا أو تأكيدا ولا يمكن الجمع بينهما لأنه على الأول لا محل له من الإعراب وعلى الثاني له محل كالمؤكد وهم كما لا يخفى. وفرق الطيبي بين كون الضمير فصلا وبين كونه توكيدا بأن التوكيد يرفع التجوز عن المسند إليه فيلزم التخصيص من تعريف الخبر ، أي نحن نلقي البتة لا غيرنا ، والفصل يخصص الإلقاء بهم لتخصيص المسند بالمسند إليه فيعرى عن التوكيد ، وتحقيق ذلك يطلب من محله (قالَ) أي موسى عليهالسلام وثوقا بشأنه وتحقيرا لهم وعدم مبالاة بهم (أَلْقُوا) أنتم ما تلقون أولا ، وبما ذكرنا يعلم جواب ما يقال : إن القاءهم معارضة للمعجزة بالسحر وهي كفر والأمر به مثله فكيف أمرهم وهو هو؟ وحاصل الجواب أنه عليهالسلام علم أنهم لا بد وأن يفعلوا ذلك ، وإنما وقع التخيير في التقديم والتأخير كما صرح به في قوله سبحانه في آية أخرى : (أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) [طه : ٦٥] فجوز لهم التقديم لا لإباحة فعلهم بل لتحقيرهم ، وليس هناك دلالة على الرضا بتلك المعارضة ، وقد يقال أيضا : إنه عليهالسلام إنما أذن لهم ليبطل سحرهم فهو إبطال للكفر بالآخرة وتحقيق لمعجزته عليهالسلام ، وعلى هذا يحمل ما جاء في بعض الآثار من أنهم لما قالوا سمع موسى عليهالسلام مناديا يقول : بل ألقوا أنتم يا أولياء الله تعالى فأوجس في نفسه خيفة من ذلك حتى أمر عليهالسلام ، وسيجيء إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك (فَلَمَّا أَلْقَوْا) ما ألقوا وكان مع كل واحد منهم حبل وعصا (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) بأن خيلوا إليها ما