حتى إذا الكلاب قال لها |
|
كاليوم مطلوبا ولا طالبا |
فإن أصله لم أر مطلوبا كمطلوب رأيته اليوم ولا طلبة كطلبة رأيتها اليوم فاختصر الكلام فقيل لم أر مطلوبا كمطلوب اليوم لملابسته له ثم حذف المضاف اتساعا وعدم البأس ، وقيل : كاليوم وقدم على الموصوف فصار حالا للاعتناء والمبالغة وحذف الفعل للقرينة الحالية ووجه الشبه المعمولية لفعل محذوف ، وقوله سبحانه : (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) إلخ تفسير للتشبيه وبيان لوجه الشبه بين المخاطبين ومن قبلهم فلا محل لها من الإعراب ، وفيه إيذان بأن المخاطبين أولى وأحق بأن يصيبهم ما أصابهم (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي تمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا ، وفي صيغة الاستفعال ما ليس في التفعل من الاستفادة والاستدامة في التمتع ، واشتقاق الخلاق من الخلق بمعنى التقدير وهو أصل معناه لغة (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم الخسيسة من الشهوات الفانية والتهائهم فيها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيدا لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم ، ولذلك اختير الإطناب بزيادة (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) وهذا كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول أنت مثل فرعون كان يقتل بغير جرم ويعذب ويعسف وأنت تفعل مثله ، ومحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي استمتعتم استمتاعا كاستمتاع الذين (وَخُضْتُمْ) أي دخلتم في الباطل (كَالَّذِي خاضُوا) أي كالذين فحذفت نونه تخفيفا كما في قوله :
إن الذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كل القوم يا أم خالد |
ويجوز أن يكون الذي صفة لمفرد اللفظ مجموع المعنى كالفوج والفريق فلوحظ في الصفة اللفظ وفي الضمير المعنى أو هو صفة مصدر محذوف أي كالخوض الذي خاضوه ورجح بعدم التكلف فيه ، وقال الفراء : إن الذي تكون مصدرية وخرج هذا عليه أي كخوضهم وهو كما قال أبو البقاء نادر ، وهذه الجملة عطف على ما قبلها وحينئذ إما أن يقدر فيها ما يجعلها على طرزه لعطفها عليه أولا يقدر إشارة إلى الاعتناء بالأول (أُولئِكَ) إشارة إلى المتصفين بالصفات المعدودة من المشبهين والمشبه بهم ، وكونه إشارة إلى الأخير يقتضي أن يكون حكم المشبهين مفهوما ضمنا ويؤدي إلى خلو تلوين الخطاب عن الفائدة إذ الظاهر حينئذ أولئكم والخطاب لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام أو لكل من يصلح له أي أولئك المتصفون بما ذكر من القبائح (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي التي كانوا يستحقون بها أجورا حسنة لو قارنت الإيمان ، والحبط السقوط والبطلان والاضمحلال ؛ والمراد لم يستحقوا عليها ثوابا وكرامة (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أما في الآخرة فظاهر وأما في الدنيا فلأن ما حصل لهم من الصحة والسعة ونحوهما ليس إلا بطريق الاستدراج كما نطقت به الآيات دون الكرامة (وَأُولئِكَ) الموصوفون بحبط الأعمال في الدارين (هُمُ الْخاسِرُونَ) أي الكاملون في الخسران الجامعون لمباديه وأسبابه طرا.
وإيراد اسم الإشارة في الموضعين للإشعار بعلية الأوصاف المشار إليها للحبط والخسران (أَلَمْ يَأْتِهِمْ) أي المنافقين (نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي خبرهم الذي له شأن والاستفهام للتقرير والتحذير (قَوْمِ نُوحٍ) أغرقوا بالطوفان (وَعادٍ) أهلكوا بالريح (وَثَمُودَ) أهلكوا بالرجفة ، وغير الأسلوب في القومين لأنهم لم يشتهروا بنبيهم ، وقيل : لأن الكثير منهم آمن (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ) أهلك نمروذ رئيسهم ببعوض وأبيدوا بعده لكن لا بسبب سماوي كغيرهم و (وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) أي أهلها وهم قوم شعيب عليهالسلام أهلكوا بالنار يوم الظلة أو بالصيحة والرجفة أو بالنار والرجفة على اختلاف الروايات (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) مؤتفكة من الائتفاك وهو الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفل بالخسف ، والمراد بها إما قريات قوم لوط عليهالسلام فالائتفاك على حقيقته فإنها انقلبت بهم وصار عاليها سافلها