وأمطر على من فيها حجارة من سجيل وإما قريات المكذبين المتمردين مطلقا فالائتفاك مجاز عن انقلاب حالها من الخير إلى الشر على طريق الاستعارة كقول ابن الرومي :
وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة |
|
أعاليها بل أن تسود الأراذل |
لأنها لم يصبها كلها الائتفاك الحقيقي (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) استئناف لبيان نبئهم ، وضمير الجمع للجميع لا للمؤتفكات فقط (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي فكذبوهم فأهلكهم الله تعالى فما كان إلخ ، فالفاء للعطف على ذلك المقدر الذي ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام ، أي لم يكن من عادته سبحانه ما يشبه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم ، وقد يحمل على استمرار النفي أي لا يصدر منه سبحانه ذلك أصلا بل هو أبلغ كما لا يخفى. وقول الزمخشري : أي فما صح منه أن يظلمهم وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح مبني على الاعتزال.
(وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث عرضوها بمقتضى استعدادهم للعقاب بالكفر والتكذيب ، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار ، وتقديم المفعول على ما قرره بعض الأفاضل لمجرد الاهتمام به مع مراعاة الفاصلة من غير قصد إلى قصر المظلومية عليهم على رأي من لا يرى التقديم موجبا للقصر كابن الأثير فيما قيل (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ) بيان لحسن حال المؤمنين والمؤمنات حالا ومالا بعد بيان حال أضدادهم عاجلا وآجلا ، وقوله سبحانه : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يقابل قوله تعالى فيما مر : (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) ، وتغيير الأسلوب للإشارة إلى تناصرهم وتعاضدهم بخلاف أولئك ؛ وقوله عزوجل : (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ظاهر المقابلة «ليأمرون بالمنكر» إلخ الكلام في المنكر والمعروف معروف ، وقوله جل وعلا : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) في مقابلة (نَسُوا اللهَ) وقوله تعالى جده : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) في مقابلة (يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) وقوله تبارك وتعالى : (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي في سائر الأمور في مقابلة وصف المنافقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة ، وقيل : هو في مقابلة (نَسُوا اللهَ) ، وقوله سبحانه : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) زيادة مدح ، وقوله تعالى شأنه : (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) في مقابلة (فَنَسِيَهُمْ) المفسر بمنع لطفه ورحمته سبحانه ، وقيل : في مقابلة (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُون) لأنه بمعنى المتقين المرحومين ، والإشارة إلى المؤمنين والمؤمنات باعتبار اتصافهم بما سلف من الصفات الجليلة ، والإتيان بما يدل على البعد لما مر غير مرة.
والسين على ما قال الزمخشري وتبعه غير واحد لتأكيد الوعد وهي كما تفيد ذلك تفيد تأكيد الوعيد ، ونظر فيه صاحب التقريب ووجه ذلك بأن السين في الإثبات في مقابلة لن في النفي فتكون بهذا الاعتبار تأكيدا لما دخلت عليه ولا فرق في ذلك بين أن يكون وعدا أو وعيدا أو غيرهما. وقال العلامة ابن حجر : ما زعمه الزمخشري من أن السين تفيد القطع بمدخولها مردود بأن القطع إنما فهم من المقام لا من الوضع وهو توطئة لمذهبه الفاسد في تحتم الجزاء ومن غفل عن هذه الدسيسة وجهه ، وتعقبه الفهامة ابن قاسم بأن هذا لا وجه له لأنه أمر نقلي لا يدفعه ما ذكر ونسبه الغفلة للأئمة إنما أوجبه حب الاعتراض ، وحينئذ فالمعنى أولئك المنعوتون بما فصل من النعوت الجليلة يرحمهمالله تعالى لا محالة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) قوي قادر على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده (حَكِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها ومن ذلك النعمة والنقمة ؛ والجملة تعليل للوعد ، وقوله تعالى :
(وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) في مقابلة الوعيد السابق للمنافقين المعبر عنه بالوعد تهكما كما مر ، ويفهم من كلام البعض أن قوله سبحانه : (سَيَرْحَمُهُمُ) بيان لإفاضة آثار الرحمة الدنيوية من التأييد والنصر وهذا تفصيل لآثار رحمته سبحانه الأخروية ، والإظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير