عنه فأتاه فقال : يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل من صدقتي فقال : لم يقبلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا فأبى أن يقبلها ، ثم ولي عثمان رضي الله تعالى عنه فلم يقبلها منه وهلك في خلافته.
وفي بعض الروايات أن ثعلبة هذا كان قبل ذلك ملازما لمسجد النبي صلىاللهعليهوسلم حتى لقب حمامة المسجد ثم رآه النبي صلىاللهعليهوسلم يسرع الخروج منه عقيب الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام له : ما لك تعمل عمل المنافقين؟ فقال: إني افتقرت ولي ولامرأتي ثوب واحد أجيء به للصلاة ثم أذهب فأنزعه لتلبسه وتصلي به فادع الله تعالى أن يوسع علي رزقي إلى آخر ما في الخبر. والظاهر أن منع الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام عن القبول منه كان بوحي منه تعالى له بأنه منافق والصدقة لا تؤخذ منهم وإن لم يقتلوا لعدم الإظهار ، وحثوه للتراب ليس للتوبة من نفاقه بل للعار من عدم قبول زكاته مع المسلمين.
ومعنى هذا عملك هذا جزاء عملك وما قلته ، وقيل : المراد بعمله طلبه زيادة رزقه وهذا إشارة إلى المنع أي هو عاقبة عملك ، وقيل : المراد بالعمل عدم إعطائه للمصدقين. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ثعلبة أتى مجلسا من مجالس الأنصار فأشهدهم لئن آتاني الله تعالى من فضله تصدقت منه وآتيت كل ذي حق حقه فمات ابن عم له فورث منه مالا فلم يف بما عاهد الله تعالى عليه فأنزل الله تعالى فيه هذه الآيات. وقال الحسن : إنها نزلت في ثعلبة ومعتب بن قشير خرجا على ملأ قعود فحلفا بالله تعالى لئن آتانا من فضله لنصدقن فلما آتاهما بخلا. وقال السائب : إن حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام فأبطأ عليه فجهد لذلك جهدا شديدا فحلف بالله لئن آتانا الله من فضله ـ يعني ذلك المال ـ لأصدقن ولأصلن فلما آتاه ذلك لم يف بما عاهد الله تعالى عليه وحكي ذلك عن الكلبي ، والأول أشهر وهو الصحيح في سبب النزول ، والمراد بالتصديق قيل : إعطاء الزكاة الواجبة وما بعده إشارة إلى فعل سائر أعمال البر من صلة الأرحام ونحوها. وقيل : المراد بالتصديق إعطاء الزكاة وغيرها من الصدقات وما بعده إشارة إلى الحج على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو إلى ما يعمه والنفقة في الغزو كما قيل. وقرئ «لنصدقن ولنكونن» بالنون الخفيفة فيهما.
(فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) أي منعوا حق الله تعالى منه (وَتَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن طاعة الله سبحانه (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي وهم قوم عادتهم الإعراض عن الطاعات فلا ينكر منهم هذا ، والجملة مستأنفة أو حالية والاستمرار المقتضي للتقدم لا ينافي ذلك ، والمراد على ما قيل : تولوا بإجرامهم وهم معرضون بقلوبهم (فَأَعْقَبَهُمْ) أي جعل الله تعالى عاقبة فعلهم ذلك (نِفاقاً) أي سوء عقيدة وكفرا مضمرا. (فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) أي الله تعالى ، والمراد بذلك اليوم وقت الموت ، فالضمير المستتر في أعقب لله تعالى وكذا الضمير المنصوب في (يَلْقَوْنَهُ) ، والكلام على حذف مضاف ، والمراد بالنفاق بعض معناه وتمامه إظهار الإسلام وإضمار الكفر ، وليس بمراد كما أشرنا إلى ذلك كله ، ونقل الزمخشري عن الحسن وقتادة أن الضمير الأول للبخل وهو خلاف الظاهر بل قال بعض المحققين : إنه يأباه قوله تعالى :
(بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) إذ ليس لقولنا أعقبهم البخل نفاقا بسبب إخلافهم إلخ كثير معنى ، ولا يتصور على ما قيل أن يعلل النفاق بالبخل أولا ثم يعلل بأمرين غيره بغير عطف ، ألا ترى لو قلت : حملني على إكرام زيد علمه لأجل أنه شجاع وجواد كان خلفا حتى تقول حملني على إكرام زيد علمه وشجاعته وجوده.
وقال الإمام : ولأن غاية البخل ترك بعض الواجبات وهو لا يوجب حصول النفاق الذي هو كفر وجهل في القلب كما في حق كثير من الفساق ، وكون هذا البخل بخصوصه يعقب النفاق والكفر لما فيه من عدم إطاعة الله