جنات الصفات (ذلِكَ) أي الرضوان (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لكرامة أهله عند الله تعالى وشدة قربهم ولا بأس بإبقاء الكلام على ظاهره ويكون في قوله سبحانه : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) إشارة إلى الرؤية فإن المحب لا تطيب له الدار من غير رؤية محبوبه :
أجيراننا ما أوحش الدار بعدكم |
|
إذا غبتم عنها ونحن حضور |
ولكون الرضوان هو المدار لكل خير وسعادة والمناط لكل شرف وسيادة كان أكبر من هاتيك الجنات والمساكن.
إذا كنت عني يا منى القلب راضيا |
|
أرى كل من في الكون لي يتبسم |
نسأل الله رضوانه وأن يسكننا جنانه (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) بيان لقبائح بعض آخر من المنافقين ، والآية نزلت في ثعلبة بن حاطب ويقال له ابن أبي حاطب وهو من بني أمية بن زيد ، وليس هو البدري لأنه قد استشهد بأحد رضي الله تعالى عنه.
أخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل وابن المنذر وغيرهم عن أبي أمامة الباهلي قال : جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يرزقني مالا. فقال عليه الصلاة والسلام : ويحك يا ثعلبة أما تحب أن تكون مثلي فلو شئت أن يسير الله تعالى ربي هذه الجبال معي ذهبا لسارت. قال : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يرزقني مالا فو الذي بعثك بالحق إن آتاني الله سبحانه مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال : ويحك يا ثعلبة قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه. قال : يا رسول الله ادع الله تعالى فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اللهم ارزقه مالا فاتخذ غنما فبورك له فيها ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يشهدها بالليل ثم نمت كما ينمو الدود فضاق به مكانه فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يشهدها بالليل ثم نمت كما ينمو الدود فتنحى وكان لا يشهد الصلاة بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم نمت كما ينمو الدود فضاق به مكانه فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الاخبار وفقده رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأل عنه فأخبروه أنه اشترى غنما وأن المدينة ضاقت به فقال عليه الصلاة والسلام : ويح ثعلبة بن حاطب ويح ثعلبة بن حاطب. ثم إن الله تعالى أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يأخذ الصدقات وأنزل (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) [التوبة : ١٠٣] الآية فبعث رجلين رجلا من جهينة ورجلا من بني سلمة يأخذان الصدقات وكتب لهما أسنان الإبل والغنم وكيف يأخذانها وأمرهما أن يمرا على ثعلبة ورجل من بني سليم فخرجا فمرا بثعلبة فسألاه الصدقة فقال : أرياني كتابكما؟ فنظر فيه فقال : ما هذا إلا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا بي فانطلقا وسمع بهما السليمي فاستقبلهما بخيار إبله فقالا : إنما عليك دون هذا فقال : ما كنت أتقرب إلى الله تعالى إلا بخير مالي فقبلا فلما فرغا مرا بثعلبة فقال : أرياني كتابكما؟ فنظر فيه فقال : ما هذا إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى قدما المدينة فلما رآهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال قبل أن يكلمهما : ويح ثعلبة بن حاطب ودعا للسليمي بالبركة وأنزل الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) الآيات الثلاث فسمع بعض من أقاربه فأتاه فقال : ويحك يا ثعلبة أنزل فيك كذا وكذا فقدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله هذه صدقة مالي. فقال عليه الصلاة والسلام : إن الله قد منعني أن أقبل منك فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني فلم يقبل منه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى مضى ، ثم أتى أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقال : يا أبا بكر اقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الأنصار. فقال أبو بكر : لم يقبلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقبلها فلم يقبلها أبو بكر ، ثم ولي عمر رضي الله تعالى