(هادٍ) عطف على (مُنْذِرٌ) و (لِكُلِّ قَوْمٍ) متعلق به قدم عليه للفاصلة. وفي ذلك دليل على عموم رسالته صلىاللهعليهوسلم وشمول دعوته ، وفيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجار والمجرور والنحويون في جوازه مختلفون ، وقد يجعل (هادٍ) خبر مبتدأ مقدر أي وهو هاد أو وأنت هاد ، وعلى الأول فيه التفات ، وقال أبو العالية : الهادي العمل ، وقال علي بن عيسى : هو السابق إلى الهدى ولكل قوم سابق سبقهم إلى الهدى. قال أبو حيان: وهذا يرجع إلى أن الهادي هو النبي لأنه الذي يسبق إلى ذلك وعن أبي صالح أنه القائد إلى الخير أو إلى الشر والكل كما ترى. وقالت الشيعة : إنه علي كرم الله تعالى وجهه ورووا في ذلك أخبارا ، وذكر ذلك القشيري منا. وأخرج ابن جرير وابن مردويه والديلمي وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما نزلت (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) الآية وضع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب علي كرم الله تعالى وجهه فقال : أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن عساكر أيضا عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية : رسول الله صلىاللهعليهوسلم المنذر وأنا الهادي ، وفي لفظ والهادي رجل من بني هاشم ـ يعني نفسه ..
واستدل بذلك الشيعة على خلافة علي كرم الله وجهه بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلا فصل. وأجيب بأنا لا نسلم صحة الخبر ، وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار عند أهل الأثر ، وليس في الآية دلالة على ما تضمنه بوجه من الوجوه ، على أن قصارى ما فيه كونه كرم الله تعالى وجهه به يهتدي المهتدون بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك لا يستدعي إلا إثبات مرتبة الإرشاد وهو أمر والخلافة التي نقول بها أمر لا تلازم بينهما عندنا.
وقال بعضهم : إن صح الخبر يلزم القول بصحة خلافة الثلاثة رضي الله تعالى عنهم حيث دل على أنه كرم الله تعالى وجهه على الحق فيما يأتي ويذر وأنه الذي يهتدي به وهو قد بايع أولئك الخلفاء طوعا ومدحهم وأثنى عليهم خيرا ولم يطعن في خلافتهم فينبغي الاقتداء به والجري على سننه في ذلك ودون إثبات خلاف ما أظهر خرط القتاد. وقال أبو حيان : إنه صلىاللهعليهوسلم على فرض صحة الرواية إنما جعل عليا كرم الله تعالى وجهه مثالا من علماء الأمة وهداتها إلى الدين فكأنه عليه الصلاة والسلام قال : يا علي هذا وصفك فيدخل الخلفاء الثلاث وسائر علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم بل وسائر علماء الأمة ، وعليه فيكون معنى الآية إنما أنت منذر ولكل قوم في القديم والحديث إلى ما شاء الله تعالى هداة دعاة إلى الخير اه وظاهره أنه لم يحمل تقديم المعمول في خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحصر الحقيقي وحينئذ لا مانع من القول بكثرة من يهتدي به ، ويؤيد عدم الحصر ما جاء عندنا من قوله صلىاللهعليهوسلم : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» وأخبار أخر متضمنة لإثبات من يهتدي به غير علي كرم الله تعالى وجهه ، وأنا أظنك لا تلتفت إلى التأويل ولا تعبأ بما قيل وتكتفي بمنع صحة الخبر وتقول ليس في الآية مما يدل عليه عين ولا أثر هذا ، و (ما) يحتمل أن تكون مصدرية أي يعلم حمل كل أنثى من أي الإناث كانت ، والحمل على هذا بمعنى المحمول ، وأن تكون موصولة والعائد محذوف أي الذي تحمله في بطنها من حين العلوق إلى زمن الولادة لا بعد تكامل الخلق فقط ، وجوز أن تكون نكرة موصوفة و (يَعْلَمُ) قيل متعدية إلى واحد فهي عرفانية ، ونظر فيه بأن المعرفة لا يصح استعمالها في علم الله تعالى وهو ناشئ من عدم المعرفة بتحقيق ذلك وقد تقدم ، وجوز أن تكون استفهامية معلقة ـ ليعلم ـ وهي مبتدأ أو مفعول مقدم والجملة سادة مسد المفعولين ، أي يعلم أي شيء تحمل وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردة عليه طورا فطورا ، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر المتبادر ، وكما جوز في «ما» هذه هذه الأوجه جوزت في ما بعدها أيضا ، ووجه مناسبة الآية لما قبلها قد علم مما سبق ، وقيل : وجهها أنه لما تقدم إنكارهم البعث