ورفع (عالِمُ) على أنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «عالم» بالنصب على المدح ، وهذا الكلام كالدليل على ما قبله من قوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ) إلخ.
(الْكَبِيرُ) العظيم الشأن الذي كل شيء دونه (الْمُتَعالِ) المستعلي على كل شيء في ذاته وعلمه وسائر صفاته سبحانه ، وجوز أن يكون المعنى الكبير الذي يجل عما نعته به الخلق من صفات المخلوقين ويتعالى عنه ، فعلى الأول المراد تنزيهه سبحانه في ذاته وصفاته عن مداناة شيء منه ؛ وعلى هذا المراد تنزيهه تعالى عما وصفه الكفرة به فهو رد لهم كقوله جل شأنه : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون : ٩١ ، الصافات : ١٥٩] قال العلامة الطيبي : إن معنى (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) بالنسبة إلى مردوفه وهو (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) هو العظيم الشأن الذي يكبر عن صفات المخلوقين ليضم مع العلم العظمة والقدرة بالنظر إلى ما سبق من قوله تعالى (ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) إلى آخر ما يعيد التنزيه عما يزعمه النصارى والمشركون ورفع (الْكَبِيرُ) على انه خبر بعد أن يكون (عالِمُ) مبتدأ وهو خبره (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) أخفاه في نفسه ولم يتلفظ به ، وقيل : تلفظ به بحيث لم يسمع نفسه دون غيره (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) من يقابل ذلك بالمعنيين (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ) مبالغ في الاختفاء كأنه مختف (بِاللَّيْلِ) وطالب للزيادة (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ظاهر فيه كما روي عن ابن عباس ، وهو على ما قال جمع في الأصل اسم فاعل من سرب إذا ذهب في سربه أي طريقه ، ويكون بمعنى تصرف كيف شاء قال الشاعر :
إني سربت وكنت غير سروب |
|
وتقرب الأحلام غير قريب |
وقال الآخر :
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم |
|
ونحن خلعنا قيده فهو سارب |
أي فهو متصرف كيف شاء لا يدفع عن جهة يفتخر بعزة قومه ، فما ذكره الخبر لازم معناه ، وقرينته وقوعه في مقابلة مستخف ، والظاهر من كلام بعضهم أنه حقيقة في الظاهر ، ورفع (سَواءٌ) على أنه خبر مقدم و (مَنْ) مبتدأ مؤخر ، ولم يثن الخبر لأنه في الأصل مصدر وهو الآن بمعنى مستو ولم يجئ تثنيته في أشهر اللغات ، وحكى أبو زيد هما سواءان ، و (مِنْكُمْ) حال من الضمير المستتر فيه لا في (أَسَرَّ) و (جَهَرَ) لأن ما في حيز الصلة والصفة لا يتقدم على الموصول والموصوف ، وجوز أبو حيان كون (سَواءٌ) مبتدأ لوصفه بمنكم وما بعده الخبر ، وكذا أعرب سيبويه قول العرب : سواء عليه الخير والشر ، وقول ابن عطية : إن سيبويه ضعف ذلك بأنه ابتداء بنكرة لا يصح و (سارِبٌ) عطف على (مَنْ) كأنه قيل : سواء منكم إنسان هو مستخف وآخر سارب ، والنكتة في زيادة هو في الأول أنه الدال على كمال العلم فناسب زيادة تحقيق وهو النكتة في حذف الموصوف عن سارب أيضا ، والوجه في تقديم (أَسَرَّ) وأعماله في صريح القول على جهره وأعماله في ضميره ، وجوز أن يكون على (مُسْتَخْفٍ) واستشكل بأن سواء يقتضي ذكر شيئين فإذا كان سارب معطوفا على جزء الصلة أو الصفة لا يكون هناك الا شيء واحد ، ولا يجيء هذا على الأول لأن المعنى ما علمت. وأجيب بأن (مَنْ) عبارة عن الاثنين كما في قوله :
تعال فإن عاهدتني لا تخونني |
|
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان |
فكأنه قيل : سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار ، قال في الكشف : وعلى الوجهين (مَنْ) موصوفة لا موصولة فيحمل الأوليان أيضا على ذلك ليتوافق الكل. وإيثارها على الموصولة دلالة على أن المقصود الوصف فإن ذلك متعلق العلم ، وأما لو قيل : سواء الذي أسر القول والذي جهر به فإن أريد الجنس من باب :