المبادئ (يُفَصِّلُ الْآياتِ) في النهاية بترتيب الكمالات والمقامات (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ) عند مشاهدة آيات التجليات (تُوقِنُونَ) عين اليقين.
وقال ابن عطاء : يدبر الأمر بالقضاء السابق ويفصل الآيات بأحكام الظاهر لعلكم توقنون أن الله تعالى الذي يجري تلك الأحوال لا بد لكم من الرجوع إليه سبحانه (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أي أرض قلوب أوليائه ببسط أنوار المحبة (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) المعرفة لئلا تتزلزل بغلبة هيجان المواجيد وجعل فيها (أَنْهاراً) من علوم الحقائق (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) وهي ثمرات أشجار الحكم المتنوعة (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) تجلى الجلال وتجلى الجمال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في آيات الله تعالى ، قال أبو عثمان : الفكر إراحة القلب من وساوس التدبير ، وقيل : تصفيته لوارد الفوائد ، وقيل : الإشارة في ذلك إلى مد أرض الجسد وجعل رواسي العظام فيها وأنهار العروق وثمرات الأخلاق من الجود والبخل والفجور والعفة والجبن والشجاعة والظلم والعدل وأمثالها والسواد والبياض والحرارة والبرودة والملاسة والخشونة ونحوها ، وتغشية ليل ظلمة الجسمانيات نهار الروحانيات وفي ذلك آيات لقوم يفتكرون في صنع الله تعالى وتطابق عالميه الأصغر والأكبر (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) فقلوب المحبين مجاورة لقلوب المشتاقين وهي لقلوب العاشقين وهي لقلوب الوالهين وهي لقلوب الهائمين وهي لقلوب العارفين وهي لقلوب الموحدين ، وقيل : في أرض القلوب قطع متجاورات قطع النفوس وقطع الأرواح وقطع الأسرار وقطع العقول والأولى تنبت شوك الشهوات والثانية زهر المعارف والثالثة نبات كواشف الأنوار والرابعة أشجار نور العلم وفيها (جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) أي أعناب العشق (وَزَرْعٌ) أي زرع دقائق المعرفة (وَنَخِيلٌ) أي نخل الإيمان (صِنْوانٌ) في مقام الفرق (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) في مقام الجمع ، وقيل : صنوان إيمان مع شهود وغير صنوان إيمان بدونه (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) وهو التجلي الذي يقتضيه الجود المطلق (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) في الطعم الروحاني ، وقيل : أشير أيضا إلى أن في أرض الجسد قطعا متجاورات من العظم واللحم والشحم والعصب وجنات من أشجار القوى الطبيعية والحيوانية والإنسانية من أعناب القوى الشهوانية التي يعصر منها هوى النفس والقوى العقلية التي يعصر منها خمر المحبة والعشق وزرع القوى الإنسانية ونخيل سائر الحواس الظاهرة والباطنة صنوان كالعينين والأذنين وغير صنوان كاللسان وآلة الفكر والوهم يسقى بماء واحد وهو ماء الحياة ونفضل بعضها على بعض في أكل الإدراكات والملكات كتفضيل مدركات العقل على الحس والبصر على اللمس وملكة الحكمة على العفة وهكذا (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) بعد ظهور الآيات (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ولم يعلموا أن القادر على ذلك قادر على أن يحيي الموتى.
وقيل : إن منشأ التعجب أنهم أنكروا الخلق الجديد يوم القيامة مع أن الإنسان في كل ساعة في خلق آخر جديد بل العالم بأسره في كل لحظة يتجدد بتبدل الهيئات والأحوال والأوضاع والصور ، وإلى كون العالم كل لحظة في خلق جديد ذهب الشيخ الأكبر قدسسره فعنده الجوهر وكذا العرض لا يبقى زمانين كما أن العرض عند الأشعري كذلك ، وهذا عند الشيخ قدسسره مبني على أن الجواهر والأعراض كلها شئونه تعالى عما يقوله الظالمون علوا كبيرا وهو سبحانه كل يوم أي وقت في شأن ، وأكثر الناس ينكرون على الأشعري قوله بتجدد الأعراض ، والشيخ قدسسره زاد في الشطرنج جملا ولا يكاد يدرك ما يقول بالدليل بل هو موقوف على الكشف والشهود ، وقد اغتر كثير من الناس بظاهر كلامه فاعتقدوه من غير تدبر فضلوا وأضلوا (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) فلم يعرفوا عظمته سبحانه (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) فلا يقدرون أن يرفعوا رءوسهم المنكسة إلى النظر في الآيات (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ