لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] وضمير الجمع للأمة أيضا ، والجملة في موضع الحال من فاعل (أَرْسَلْناكَ) لا من ضمير (عَلَيْهِمُ) إذ الإرسال ليس للتلاوة عليهم حال كفرهم ، ومنهم من جوز ذلك والتلاوة عليهم حال الكفر ليقفوا على إعجازه فيصدقوا به لعلمهم بأفانين البلاغة ولا ينافي تلاوته عليهم بعد إسلامهم ، وجوز في الجملة أن تكون مستأنفة والضمير حسبما علمت ، وقيل : إنه يعود على الذين قالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وقيل : يعود على (أُمَّةٍ) وعلى (أُمَمٌ) ويكون في الآية تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، وعن قتادة. وابن جريج. ومقاتل أن الآية نزلت في مشركي مكة لما رأوا كتاب الصلح يوم الحديبية وقد كتب فيه علي كرم الله تعالى وجهه بسم الله الرحمن الرحيم» فقال : سهيل بن عمرو : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة ، وقيل : سمع أبو جهل قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا الله يا رحمن فقال إن محمدا ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهين فنزلت ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما قيل لكفار قريش : (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا : وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠]؟ فنزلت ، وضعف كل ذلك بأنه غير مناسب لأنه يقتضي أنهم يكفرون بهذا الاسم وإطلاقه عليه سبحانه وتعالى والظاهر أن كفرهم بمسماه (قُلْ) حين كفروا به سبحانه ولم يوحدوه (هُوَ) أي الرحمن الذي كفرتم به (رَبِّي) خالقي ومتولي أمري ومبلغي إلى مراتب الكمال ، وإيراد هذا قبل قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا مستحق للعبادة سواه تنبيه على أن استحقاق العبادة منوط بالربوبية ، والجملة داخلة في حيز القول وهي خبر بعد خبر عند بعض ، وقال بعض آخر : إنه تعالى بعد أن نعى على الكفرة حالهم وعكسهم مقتضى العقل أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن ينبههم على خاصة نفسه ووظيفته من الشكر ومآل أمره تأنيبا لهم فقال : قل هو ربي الذي أرسلني إليكم وأيدني بما أيدني ولا رب لي سواه (عَلَيْهِ) لا على أحد سواه (تَوَكَّلْتُ) في جميع أموري لا سيما في النصرة عليكم (وَإِلَيْهِ) خاصة (مَتابِ) أي مرجعي فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم ، وقوله سبحانه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) اعتراض أكد به اختصاص التوكل عليه سبحانه وتفويض الأمور عاجلا وآجلا إليه ، ومثله قوله تعالى : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٠٦] اه وإلى القول بالاعتراض ذهب صاحب الكشف وحمل على ذلك كلام الكشاف حيث ذكر بعد (هُوَ رَبِّي) الواحد المتعالي عن الشركاء فقال : جعله فائدة الاعتراض بلا إله إلا هو أي هذا البليغ الرحمة ولا إله إلا هو فهو بليغ الانتقام كما هو بليغ الرحمة يرحمني وينتقم لي منكم ، وهو تمهيد أيضا لقوله : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) ولم يجعل خبرا بعد خبر إذ ليس المقصود الإخبار بأنه تعالى متوحد بالإلهية بل المقصود أن المتوحد بها ربي وذلك يفيده الاعتراض ؛ وأما أن المفهوم من كلامه أنه حال ولذلك أجرى مجرى الوصف فكلا إلا أن يجعل حالا مؤكدة ولا يغاير الاعتراض إذا كثير مغايرة لكن الأول أملأ بالفائدة اه ولا يخفى ما في توجيه كلام الكشاف بذلك من الخفاء ، وفي كون المقصود أن المتوحد بالإلهية ربي دون الإخبار بأنه تعالى متوحد بها على ما قيل تأمل. ولعل مبناه أن ما أثبته أوفق بالغرض الذي يشير كلامه إلى اعتباره مساقا للآية ، وفيه من المبالغة في وصفه تعالى بالتوحد ما لا يخفى.
نعم قيل للقول بالاعتراض وجه وأنه حينئذ لا يبعد أن يقال : إنه تعالى بعد أن ذكر إرساله صلىاللهعليهوسلم إليهم وأن حالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة ولا يقابلون رحمته بالشكر فيأمنوا به ويوحدوه أمره بالإخبار بتخصيص توكله واعتماده على ذلك البليغ الرحمة ورجوعه في سائر أموره إليه إيماء إلى أن إصرارهم على الكفر لا يضره شيئا وأن له عليه الصلاة والسلام عاقبة محمودة وأنه سبحانه سينصره عليهم ، وفي ذلك من تسفيه رأيهم في الإصرار على الكفر واستنهاضهم إلى اتباعه ما فيه إلا أنه عز شأنه أمره أولا أن يقول : (هُوَ رَبِّي) توطئة لذلك وجيء بلا إله إلا هو اعتراضا للتأكيد ، والذي يميل إليه الطبع بعد التأمل وملاحظة الأسلوب القول بالاعتراض ، ثم لا يخفى أن حمل (وَإِلَيْهِ مَتابِ) على إليه