قال : إن (إِنَّما) للحصر ومعناه إني ما أمرت إلا بعبادة الله تعالى وهو يدل على أنه لا تكليف ولا أمر ولا نهي إلا بذلك ، وقيل : معناه إنما أمرت بعبادته تعالى وتوحيده لا بما أنتم عليه.
وفي إرشاد العقل السليم أن المعنى إلزاما للمنكرين وردا لإنكارهم إنما أمرت إلى آخره ، والمراد قصر الأمر بالعبادة على الله تعالى لا قصر الأمر مطلقا على عبادته سبحانه أي قل لهم : إنما أمرت فيما أنزل إلي بعبادة الله تعالى وتوحيده. وظاهر أن لا سبيل لكم إلى إنكاره لإطباق جميع الأنبياء عليهمالسلام والكتب على ذلك لقوله تعالى : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) [آل عمران : ٦٥] فما لكم تشركون به عزيرا. والمسيح عليهماالسلام ، ولا يخفى أن هذا التفسير مبني على كون المراد من الأحزاب كفرة أهل الكتابين وهذا الكلام إلزام لهم ، واعترض بأن منهم من ينكر التوحيد وإطباق جميع الأنبياء والكتب عليه كالمثلثة من النصارى.
وأجيب بأنهم مع التثليث يزعمون التوحيد ولا ينكرونه كما يدل عليه قولهم : باسم الأب والابن وروح القدس إلها واحدا ، وأنت تعلم أن هذا مما لا يحتاج إليه والاعتراض ناشئ من الغفلة عن المراد ، وقد يقال : المعنى إنما أمرت بعبادة الله تعالى وعدم الإشراك به وذلك أمر تستحسنه العقول وتصرح به الدلائل الآفاقية والأنفسية :
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
فإنكاره دليل الحماقة وشاهد الجهالة لا ينبغي لعاقل أن يلتفت إليه ، ويجري هذا على سائر تفاسير الأحزاب.
وقرأ أبو خليد عن نافع «ولا أشرك» بالرفع على القطع أي وأنا لا أشرك ، وجوز أن يكون حالا أي أن أعبد الله غير مشرك به قيل : وهو الأولى لخلو الاستئناف عن دلالة الكلام على أن المأمور به تخصيص العبادة به تعالى وفيه بحث (إِلَيْهِ) أي إلى الله تعالى خاصة على النهج المذكور من التوحيد أو إلى ما أمرت به من التوحيد (أَدْعُوا) الناس لا إلى غيره ولا إلى شيء آخر مما لا يطبق عليه الكتب الإلهية والأنبياء عليهمالسلام فما وجه إنكاركم؟ قاله في الإرشاد أيضا ، والأولى عود المضير على الله تعالى كنظيره السابق وكذا اللاحق في قوله سبحانه : (وَإِلَيْهِ) أي الله تعالى وحده (مَآبِ) أي مرجعي للجزاء وعلى ذلك اقتصر العلامة البيضاوي وكان قد زاد ومرجعكم فيما تقدم غير بعيد ، واعترض بأنه كان عليه أن يزيده هنا أيضا بل هذا المقام أنسب بالتعميم ليدل على ثبوت الحشر عموما وهو المروي عن قتادة ، وقد جعل الإمام هذه الآية جامعة لكل ما يحتاج المرء إليه من معرفة المبدأ والمعاد فقوله سبحانه : (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) جامع لكل ما ورد التكليف به وقوله تعالى : (إِلَيْهِ أَدْعُوا) مشير إلى نبوته عليه الصلاة والسلام. وقوله جل وعلا : (وَإِلَيْهِ مَآبِ) إشارة إلى الحشر والبعث والقيامة. وأجاب الشهاب عن ذلك بقوله : إن قول الزمخشري إليه لا إلى غيره مرجعي وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لإنكاركم فيه بيان لنكتة التخصيص من أنهم ينكرون حقيقة أو حكما فلا حاجة إلى ما يقال لا حاجة لذكره هنا لدلالة قوله تعالى : (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) انتهى. وهو كما ترى ، ولعل الأظهر أن يقال : إن دلالة الكلام عليه هنا ليست كدلالته عليه هناك إذ مساق الآية فيه للتخويف اللائق به اعتباره ومساقها هنا لأمر آخر والاقتصار على ذلك كاف فيه.
وأنت تعلم أنه لا مانع من اعتباره ويكون معنى الآية قل في جوابهم : إني إنما أمرني الله تعالى بما هو من معالي الأمور وإليه أدعو وقتا فوقتا وإليه مرجعي ومرجعكم فيثيبني على ما أنا عليه وينتقم منكم على إنكاركم وتخلفكم عن اتباع دعوتي أو فحينئذ يظهر حقية جميع ما أنزل إلي ويتبين فساد رأيكم في إنكاركم شيئا منه ، وقد يقال على عدم اعتباره نحو ما قيل فيما قبل : إن المعنى قل في مقابلة إنكارهم إني إنما أمرني الله تعالى بما أمرني به وإليه أدعو وإليه مرجعي فيما يعرض لي في أمر الدعوة وغيره فلا أبالي بإنكاركم فإنه سبحانه كاف من رجع إليه ، ولعل هذا المعنى هنا