صفاتها وأحاديثها وتطيش فيتلون القلب ويتغير لذلك فإذا تفكر في الملكوت ومطالعة أنوار الجمال والجبروت استقر واطمأن ، وسائر أنواع الذكر إنما يكون بعد الاطمئنان ، قال الهزجوري : قلوب الأولياء مطمئنة لا تتحرك دائما خشية أن يتجلى الله تعالى عليها فجأة فيجدها غير متسمة بالأدب (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تخلية وتحلية (طُوبى لَهُمْ) بالوصول إلى الفطرة وكمال الصفات (وَحُسْنُ مَآبٍ) بالدخول في جنة القلب وهي جنة الصفات أو طوبى لهم الآن حيث لم يوجد منهم ما يخالف رضاء محبوبهم وحسن مآب في الآخرة حيث لا يجدون من محبوبهم خلاف مأمولهم (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) أي بحسب كسبها ومقتضاه أي كما تقتضي مكسوباتها من الصفات والأحوال التي تعرض لاستعدادها يفيض عليها من الجزاء (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) ما أخرج سبحانه أحدا من العبودية حتى سيد أحرار البرية صلىاللهعليهوسلم ، وفسرها أبو حفص بأنها ترك كل ملك وملازمة المأمور به.
وقال الجنيد قدسسره : لا يرتقي أحد في درجات العبودية حتى يحكم فيما بينه وبين الله تعالى أوائل البدايات وهي الفروض والواجبات والسنن والأوراد ، ومطايا الفضل عزائم الأمور فمن أحكم على نفسه هذا من الله تعالى عليه بما بعده (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) فيه على ما قيل إشارة إلى أنه إذا شرف الله تعالى شخصا بولايته لم يضر به مباشرة أحكام البشرية من الأهل والولد ولم يكن بسط الدنيا له قدحا في ولايته ، وقوله سبحانه : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فيه منع طلب الكرامات واقتراحها من المشايخ (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) لكل وقت أمر مكتوب يقع فيه ولا يقع في غيره ؛ ومن هنا قيل : الأمور مرهونة لأوقاتها ، وقيل : لله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) قيل : يمحو عن ألواح العقول صور الأفكار ويثبت فيها أنوار الأذكار ويمحو عن أوراق القلوب علوم الحدثان ويثبت فيها لدنيات علم العرفان ، وقيل : يمحو العارفين بكشف جلاله ويثبتهم في وقت آخر بلطف جماله ، وقال ابن عطاء: يمحو أوصافهم ويثبت أسرارهم لأنها موضع المشاهدة ، وقيل : يمحو ما يشاء عن الألواح الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن المواد ويفني ويثبت ما يشاء فيها فيوجد (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) العلم الأزلي القائم بذاته سبحانه ، وقيل : لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل وفيه كل ما كان ويكون أزلا وأبدا على الوجه الكلي المنزه عن المحو والإثبات ، وذكروا أن الألواح أربعة. لوح القضاء السابق العالي عن المحو الإثبات وهو لوح العقل الأول. ولوح القدر وهو لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول وهو المسمى باللوح المحفوظ. ولوح النفوس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم بشكله وهيئته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن الأول بمثابة روحه والثاني بمثابة قلبه. ثم لوح الهيولى القابل للصور في عالم الشهادة اه وهو كلام فلسفي (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) قيل : ذلك بذهاب أهل الولاية الذين بهم عمارة الأرض ، وقيل : الإشارة أنا نقصد أرض وقت الجسد الشيخوخة ننقصها من أطرافها بضعف الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة شيئا فشيئا حتى يحصل الموت أو نأتي أرض النفس وقت السلوك ننقصها من أطرافها بإفناء أفعالها بأفعالنا أولا وبافناء صفاتها بصفاتنا ثانيا وبإفناء ذاتها في ذاتنا ثالثا (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) لا راد ولا مبدل لكل ما حكم به نسأل الله تعالى أن يحكم لنا بما هو خير وأولى في الآخرة والأولى بحرمة النبي صلىاللهعليهوسلم تعالى عليه وسلم وشرف وعظم وكرم