إلى ضمير العظمة ومخاطبته عليه الصلاة والسلام مع إسناد الإخراج إليه صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه : (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ما لا يخفى من التفخيم والتعظيم ، واللام متعلقة ب (أَنْزَلْناهُ) ، والمراد من الناس جميعهم أي أنزلناه إليك لتخرجهم كافة بما في تضاعيفه من البينات الواضحة المفصحة عن كونه من عند الله تعالى الكاشفة عن العقائد الحقة من عقائد الكفر والضلال وعبادة الله عزوجل من الآلهة المختلفة كالملائكة وخواص البشر والكواكب والأصنام التي كلها ظلمات محضة وجهالات صرفة إلى الحق المؤسس على التوحيد الذي هو نور بحت وقرئ «ليخرج الناس» بالياء التحتانية في «يخرج» ورفع «الناس» به (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بتيسيره وتوفيقه تعالى وهو مستعار من الاذن الذين يوجب تسهيل الحجاب لمن يقصد الورود ، ويجوز أن يكون مجازا مرسلا بعلاقة اللزوم ، وقال محيي السنة : اذنه تعالى أمره وقيل : علمه سبحانه وقيل : إرادته جل شأنه وهي على ما قيل متقاربة ، ومنه الإمام أن يراد بذلك الأمر أو العلم وعلله بما لا يخلو عن نظر. وفي الكلام على ما ذكر أولا ثلاث استعارات. إحداهما ما سمعت في الاذن والأخريان في (الظُّلُماتِ) و (النُّورِ) وقد أشير إلى المراد منهما ، وجوز العلامة الطيبي أن تكون كلها استعارة مركبة تمثيلية بتصوير الهدى بالنور والضلال بالظلمة والمكلف المنغمس في ظلمة الكفر بحيث لا يتسهل له الخروج إلى نور الايمان إلا بتفضل الله تعالى بإرسال رسول بكتاب يسهل عليه ذلك كمن وقع في تيه مظلم ليس منه خلاص فبعث ملك توقيعا لبعض خواصه في استخلاصه وضمن تسهيل ذلك على نفسه ثم استعمل هنا ما كان مستعملا هناك فقيل : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) إلى آخره ، وكان الظاهر ـ بإذننا ـ إلا أنه وضع ذلك الظاهر موضع الضمير ، وقيل : (رَبِّهِمْ) للإشعار بالتربية واللطف والفضل وبأن الهداية لطف محض ، وفيه أن الكتاب والرسول والدعوة لا تجدي دون إذن الله تعالى كما قال سبحانه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦] اه ، وما ذكره من الاستعارة التمثيلية مع بلاغته وحسنه لا يخلو عن بعد ، وكأنه للإنباء عن كون التيسير والتوفيق منوطين بالإقبال إلى الحق كما يفصح عنه قوله تعالى : (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) [الرعد : ٢٧] استعير لذلك الاذن الذي هو ما علمت ، وأضيف إلى ضمير الناس اسم الرب المفصح عن التربية التي هي عبارة عن تبليغ الشيء إلى كماله المتوجه إليه ، وشمول الإذن بذلك المعنى للكل واضح وعليه يدور كون الانزال لإخراجهم جميعا ، وعدم تحقق الاذن بالفعل في بعضهم لعدم تحقق شرطه المستند إلى سوء اختيارهم ورداءة استعدادهم غير مخل بذلك ، ومن هنا فساد قول الطبرسي : إن اللام لام الغرض لا لام العاقبة وإلا لزم أن يكون جميع الناس مؤمنين والواقع بخلافه ، وذكر الإمام أن المعتزلة استدلوا بهذه الآية على أن أفعال الله تعالى تعلل برعاية المصالح ، ثم ساق دليل أصحابه على امتناع ذلك وذكر أنه إذا ثبت الامتناع يلزم تأويل كل ما أشعر بخلافه وتأويله بحمل اللام على لام العاقبة ونحوها ، ونقل عن ابن القيم وغيره القول بالتعليل وأنه مذهب السلف وأن في الكتاب والسنة ما يزيد على عشرة آلاف موضع ظاهرة في ذلك وتأويل الجميع خروج عن الإنصاف ، وليس الدليل على امتناع ذلك من المتانة على وجه يضطر معه إلى التأويل ، وللشيخ إبراهيم الكوراني في بعض رسائله كلام نفيس في هذا الغرض سالم فيما أرى عن العلة إن أردته فارجع إليه ، والباء متعلقة ـ بتخرج ـ على ما هو الظاهر ، وجوز أن يكون متعلقا بمضمر وقع حالا من مفعوله أي ملتبسين بإذن ربهم ، ومنهم من جوز كونه حالا من فاعله أي ملتبسا بإذن ربهم. وتعقب بأنه يأباه إضافة الرب إليهم لا إليه صلىاللهعليهوسلم. ورد بما رد فتأمل. واستدل بالآية القائلون بأن معرفة الله تعالى لا تحصل إلا من طريق التعليم من الرسول صلىاللهعليهوسلم حيث ذكر فيها أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يخرج الناس من ظلمات الضلال إلى نور الهدى. وأجيب بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كالمنبه وأما المعرفة فإنما تحصل من الدليل. واستدل بها أيضا كل من المعتزلة وأهل السنة على مذهبه في أفعال العباد وتفصيل ذلك في تفسير الإمام.