الاسم الجليل موصوفا متأخرا ، ومما جاء فيه تقديم ما لو أخر لكان صفة وتأخير ما لو قدم لكان موصوفا قوله :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها |
|
ركبان مكة بين الغيل والسعد |
فلو جاء على الكثير لكان التركيب والمؤمن الطير العائذات ، ومثله قوله :
لو كنت ذا نبل وذا شزيب |
|
لم أخش شدات الخبيث الذيب |
وجوز في قراءة الرفع كون الاسم الجليل مبتدأ وقوله تعالى (الَّذِي لَهُ) أي ملكا وملكا (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خبره وما تقدم أولى ، فإن في الوصفية من بيان كمال فخامة شأن الصراط وإظهار تحتم سلوكه على الناس ما ليس في الخبرية ، والمراد بما في السموات وما في الأرض ما وجد داخلا فيهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما ، ومن الناس من استدل بعموم (ما) على أن أفعال العباد مخلوقة له تعالى كما ذكره الإمام ، وقوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ) وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور بالويل.
وهو عند بعض نقيض الوأل بالهمزة بمعنى النجاة فمعناه الهلاك فهو مصدر إلا أنه لا يشتق منه فعل إنما يقال : ويلا له فينصب نصب المصادر ثم يرفع رفعها لإفادة معنى الثبات فيقال : ويل له كسلام عليك ، وقال الراغب : قال الأصمعي ويل قبوح وقد يستعمل للتحسر ، وويس استصغار ، وويح ترحم ، ومن قال : هو واد في جهنم لم يرد أنه في اللغة موضوع لذلك وإنما أراد أن من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقرا من النار وثبت له ذلك ، وقوله سبحانه : (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) في موضع الصفة لويل ولا يضر الفصل على ما في البحر وغيره بالخبر ، وجوز أن يكون في موضع الحال على ما في الحواشي الشهابية و (مِنْ) بيانية ، وجوز أن تكون ابتدائية على معنى أن الويل بمعنى عدم النجاة متصل بالعذاب الشديد وناشئ عنه ، وقيل إن الجار متعلق : بويل على معنى أنهم يولولون من العذاب ويضجون من قائلين يا ويلاه كقوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣] ومنع أبو حيان وأبو البقاء ذلك لما فيه من الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر وهو لا يجوز ، وقد مر قريبا في الرعد ما يتعلق بذلك فتذكر فما في العهد من قدم. وفي الكشاف أن (مِنْ عَذابٍ) إلخ مصل بالويل على معنى أنهم يولولون إلى آخر ما ذكرنا ، وهو محتمل لتعلقه به ولتعلقه بمحذوف ، واستظهر هذا في البحر. وفي الكشف أن الزمخشري لما رأى أن الويل من الذنوب لا من العذاب كما يرشد إليه قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) [البقرة : ٧٩] وأمثاله أشار هنا إلى أن الاتصال معنوي لا من ذلك الوجه فإنه هناك جعل الويل نفس العذاب وهنا جعله تلفظهم بكلمة التلهف من شدة العذاب وكلاهما صحيح ، ولم يرد أن هنالك فصلا بالخبر لقرب ما مر في قوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [الرعد : ٢٤] اه. واعترض عليه بأنه لا حاجة لما ذكر من التكلف لأن اتصاله به ظاهر لا يحتاج إلى صرفه للتلفظ بتلك الكلمة ، و (مِنْ) بيانية لا ابتدائية حتى يحتاج إلى ما ذكر ، ولا يخفى قوة ذلك وأنه لا يحتاج إلى التكلف ولو جعلت (مِنْ) ابتدائية فتأمل ، والظاهر أن المراد بالعذاب الشديد عذاب الآخرة ، وجوز أن يكون المراد عذابا يقع بهم في الدنيا (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) أي يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليه من غيره ، فالسين للطلب ، والمحبة مجاز مرسل عن الاختيار والإيثار بعلاقة اللزوم في الجملة فلا يضر وجود أحدهما بدون الآخر كاختيار المريض الدواء المر لنفعه وترك ما يحبه ويشتهيه من الأطعمة اللذيذة لضرره ، ولاعتبار التجوز عدى الفعل بعلى ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب بمعنى أجاب والفعل مضمن معنى الاختيار والتعدية بعلى لذلك (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعوقون الناس ويمنعونهم عن دين الله تعالى والإيمان به وهو الصراط الذي بين شأنه ، والاقتصار على الإضافة إلى الاسم الجليل المنطوي على كل وصف جميل لزوم الاختصار.