شركم وأذاكم عنا» ولم أقف على صحة الخبر ولم أجرب ذلك إذ ليس للبرغوث ولع بي والحمد لله تعالى ، وأظن أن ذلك لملوحة الدم كما أخبرني به بعض الأطباء والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قيل : لعل هؤلاء القائلين بعض المتمردين في الكفر من أولئك الأمم الكافرة التي نقلت مقالاتهم الشنيعة دون جميعهم كقوم شعيب وأضرابهم ولذلك لم يقل : وقالوا (لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) وجوز أن يكون المراد بهم أهل الحل والعقد الذين لهم قدرة على الإخراج والإدخال ، ويكون ذلك علة للعدول عن قالوا أيضا ، و (أَوْ) لأحد الأمرين ، ومرادهم ليكونن أحد الأمرين إخراجكم أو عودكم ، فالمقسم عليه في وسع المقسم ، والقول بأنها بمعنى حتى أو إلا أن قول من لم يمعن النظر كما في البحر فيما بعدها إذ لا يصح تركيب ذلك مع ما ذكر كما يصح في لألزمنك أو تقضيني حقي ، والمراد من العود الصيرورة والانتقال من حال إلى أخرى وهو كثير الاستعمال بهذا المعنى ، فيندفع ما يتوهم من أن العود يقتضي أن الرسل عليهمالسلام كانوا وحاشاهم في ملة الكفر قبل ذلك.
واعترض في الفرائد بأنه لو كان العود بمعنى الصيرورة لقيل إلى ملتنا فتعديته بفي يقتضي أنه ضمن معنى الدخول أي لتدخلن في ملتنا. ورده الطيبي بأنه إنما يلزم ما ذكر لو كان (فِي مِلَّتِنا) صلة الفعل أما إذا جعل خبرا له لأن صار من أخوات كان فلا يرد كما في نحو صار زيد في الدار. نعم يفهم مما ذكره وجه آخر وهو جعله مجازا بمعنى تدخلن لا تضمينا لأنه على ما قرروه يقصد فيه المعنيان فلا يدفع المحذور. وفي الكشف أن (فِي) أبلغ من إلى لدلالته على الاستقرار والتمكن كأنهم لم يرضوا بأن يتظاهروا أنهم من أهل ملتهم ، وقيل : المراد من العود في ملتهم سكوتهم عنهم وترك مطالبتهم بالإيمان وهو كما ترى ، وقيل : هو على معناه المتبادر والخطاب لكل رسول ولمن آمن معه من قومه فغلبوا الجماعة على الواحد ، فإن كان الجماعة حاضرين فالأمر ظاهر وإلا فهناك تغليب آخر في الخطاب ، وقيل : لا تغليب أصلا والخطاب للرسل وحدهم بناء على زعمهم أنهم كانوا من أهل ملتهم قبل إظهار الدعوة كقول فرعون عليه اللعنة لموسى عليهالسلام : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) [الشعراء : ١٩] وقد مر الكلام في مثل ذلك فتذكر (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) أي إلى الرسل عليهمالسلام بعد ما قيل لهم ما قيل (رَبُّهُمْ) مالك أمرهم سبحانه (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) أي المشركين المتناهين في الظلم وهم أولئك القائلون ، وقال ابن عطية : خص سبحانه الظالمين من الذين كفروا إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا تلك المقالة ناس فالتوعد بإهلاك من خلص للظلم ، و «أوحى» يحتمل أن يكون بمعنى فعل الإيحاء فلا مفعول له و (لَنُهْلِكَنَ) على إضمار القول أي قائلا لنهلكن ، ويحتمل أن يكون جاريا مجرى القول لكونه ضربا منه و (لَنُهْلِكَنَ) مفعوله (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ) أي أرضهم وديارهم ، فاللام للعهد وعند بعض عوض عن المضاف إليه (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد إهلاكهم ، وأقسم سبحانه وتعالى في مقابلة قسمهم ، والظاهر أن ما أقسم عليه جل وعلا عقوبة لهم على قولهم : (لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا) وفي ذلك دلالة على مزيد شناعة ما أتوا به حيث إنهم لما أرادوا إخراج المخاطبين من ديارهم جعل عقوبته إخراجهم من دار الدنيا وتوريث أولئك أرضهم وديارهم ، وفي الحديث «من آذى جاره أورثه الله تعالى داره» وقرأ أبو حيوة «ليهلكن الظالمين وليسكننكم الأرض» بياء الغيبة اعتبارا ـ لأوحى ـ كقولك : أقسم زيد ليخرجن (ذلِكَ) إشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المخاطبين ديارهم ، وبذلك الاعتبار وحد اسم الإشارة مع أن المشار إليه اثنان فلا حاجة إلى جعله من قبيل (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] وإن صح أي ذلك الأمر محقق ثابت.
(لِمَنْ خافَ مَقامِي) أي موقفي الذي يقف به العباد بين يدي للحساب يوم القيامة ، وإلى هذا ذهب الزجاج