على الوجهين بمعنى الحرمان غب الطلب ، وفي إسناد الخيبة إلى كل منهم ما لا يخفى من المبالغة (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي من قدامه وبين يديه كما قال الزجاج. والطبري. وقطرب. وجماعة ، وعلى ذلك قوله (١) :
أليس ورائي إن تراخت منيتي |
|
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع |
ومعنى كونها قدامه أنه مرصد لها واقف على شفيرها ومبعوث إليها ، وقيل : المراد من خلف حياته وبعدها ، ومن ذلك قوله :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة |
|
وليس وراء الله للمرء مذهب |
وإليه ذهب ابن الأنباري ، واستعمال «وراء» في هذا وذاك بناء على أنها من الأضداد عند أبي عبيدة. والأزهري فهي من المشتركات اللفظية عندهما. وقال جماعة : إنها من المشتركات المعنوية فهي موضوعة لأمر عام صادق على القدام والخلف وهو ما توارى عنك. وقد تفسر بالزمان مجازا فيقال : الأمر من ورائك على معنى أنه سيأتيك في المستقبل من أوقاتك (وَيُسْقى) قيل عطف على متعلق (مِنْ وَرائِهِ) المقدر ، والأكثر على أنه عطف على مقدر جوابا عن سؤال سائل كأنه قيل : فما ذا يكون اذن؟ فقيل : يلقى فيها ما يلقى ويسقى (مِنْ ماءٍ) مخصوص لا كالمياه المعهودة (صَدِيدٍ) قال مجاهد. وقتادة. والضحاك هو ما يسيل من أجساد أهل النار ، وقال محمد بن كعب. والربيع. ما يسيل من فروج الزناة والزواني ، وعن عكرمة هو الدم والقيح ؛ وأعربه الزمخشري عطف بيان لماء. وفي إبهامه أولا ثم بيانه من التهويل ما لا يخفى ، وجواز عطف البيان في النكرات مذهب الكوفيين. والفارسي ، والبصريون لا يرونه وعلى مذهبهم هو بدل من (ماءٍ) ان اعتبر جامدا أو نعت إن اعتبر فيه الاشتقاق من الصد أي المنع من الشرب كأن ذلك الماء لمزيد قبحه مانع عن شربه ، وفي البحر قيل : إنه بمعنى مصدود عنه أي لكراهته يصد عنه ، وإلى كونه نعتا ذهب الحوفي وكذا ابن عطية قال : وذلك كما تقول : هذا خاتم حديد ، وإطلاق الماء على ذلك ليس بحقيقة وإنما أطلق عليه باعتبار أنه بدله ، وقال بعضهم : هو نعت على إسقاط مفيد التشبيه كما تقول مررت برجل أسد ، والتقدير مثل صديد وعلى هذا فاطلاق الماء عليه حقيقة ، وبالجملة تخصيص السقي من هذا الماء بالذكر من بين عذابها يدل على أنه من أشد أنواعه (يَتَجَرَّعُهُ) جوز أبو البقاء كونه صفة لماء أو حالا منه أو استئنافا.
وجوز أبو حيان كونه حالا من ضمير (يُسْقى) والاستئناف أظهر وهو مبني على سؤال كأنه قيل : فما ذا يفعل به؟ فقيل : يتجرعه أي يتكلف جرعه مرة بعد أخرى لغلبة العطش واستيلاء الحرارة عليه (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) أي لا يقارب أن يسيغه فضلا عن الاساغة بل يغص به فيشربه بعد اللتيا والتي جرعة غب جرعة فيطول عذابه تارة بالحرارة والعطش وأخرى بشربه على تلك الحالة ؛ فإن السوغ انحدار الماء انحدار الشراب في الحلق بسهولة وقبول نفس ونفيه لا يفيد نفي ما ذكر جميعا ، وقيل : تفعل مطاوع فعل يقال : جرعه فتجرع وقيل: إنه موافق للمجرد أي جرعه كما تقول عدا الشيء ، وتعداه ، وقيل : الاساغة الإدخال في الجوف ، والمعنى لا يقارب أن يدخله في جوفه قبل أن يشربه ثم شربه على حد ما قيل في قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] أي ما قاربوا قبل الذبح ، وعبر عن ذلك
__________________
(١) وقوله :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي |
|
وقوم تميم والفلاة ورائيا |
وقوله :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه |
|
يكون وراءه فرج قريب |