فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد فيقول ما قص الله تعالى».
ومعنى (وَعْدَ الْحَقِ) وعدا من حقه أن ينجز أو وعدا نجز وهو الوعد بالبعث والجزاء ، وقيل : أراد بالحق ما هو صفته تعالى أي إن الله تعالى وعدكم وعده الذي لا يخلف ، والظاهر أنه صفة الوعد ، وفي الآية على الأول إيجاز أي إن الله سبحانه وعدكم وعد الحق فوفاكم وأنجزكم ذلك (وَوَعَدْتُكُمْ) وعد الباطل وهو أن لا بعث ولا حساب ولئن كانا فالأصنام تشفع لكم (فَأَخْلَفْتُكُمْ) موعدي أي لم يتحقق ما أخبرتكم به وظهر كذبه ، وقد استعير الإخلاف لذلك ولو جعل مشاكلة لصح (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي تسلط أو حجة تدل على صدقي (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) أي إلا دعائي إياكم إلى الضلالة ، وهذا وإن لم يكن من جنس السلطان حقيقة لكنه أبرزه في مبرزه وجعله منه ادعاء فلذا كان الاستثناء متصلا ، وهو من تأكيد الشيء بضده كقوله :
وخيل قد دلفت لها بخيل |
|
تحية بينهم ضرب وجيع |
وهو من التهكم لا من باب الاستعارة أو التشبيه أو غيرهما على ما حقق في موضعه ، فإن لم يعتبر فيه التهكم والادعاء يكون الاستثناء منقطعا على حد قوله :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلا اليعافير وإلا العيس |
وإلى الانقطاع ذهب أبو حيان وقال : إنه الظاهر ، وجوز الإمام القول بالاتصال من غير اعتبار الادعاء ؛ ووجه ذلك بأن القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة تكون بالقهر من الحامل وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه وذلك بإلقاء الوسواس إليه وهذا نوع من أنواع التسلط فكأنه قال : ما كان لي تسلط عليكم إلا بالوسوسة لا بالضرب ونحوه (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) أي أسرعتم إجابتي كما يؤذن بذلك الفاء ، وقيل : يستفاد الإسراع من السين لأن الاستجابة وإن كانت بمعنى الإجابة لكن عد ذلك من التجريد وأنهم كأنهم طلبوا ذلك من أنفسهم فيقتضي السرعة وفيه بعد (فَلا تَلُومُونِي) بوعدي إياكم حيث لم يكن على طريق القسر والإلجاء كما يدل عليه الفاء ، وقيل : بوسوستي فإن من صرح بالعداوة وقال : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] لا يلام بأمثال ذلك. وقرئ «فلا يلوموني» بالياء على الالتفات (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) حيث استجبتم لي باختياركم الناشئ عن سوء استعدادكم حين دعوتكم بلا حجة ولا دليل بل بمجرد تزيين وتسويل ولم تستجيبوا لربكم إذ دعاكم دعوة الحق المقرونة بالبينات والحجج ، وليس مراد اللعين التنصل عن توجه اللائمة إليه بالمرة بل بيان أنهم أحق بها منه. وفي الكشاف أن في هذه الآية دليلا على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة والسعادة ويحصلهما لنفسه وليس من الله تعالى إلا التمكين ولا من الشيطان إلا التزيين ، ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم فإن الله تعالى قد قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه ، وليس قوله المحكي باطلا لا يصح التعلق به وإلا لبين الله سبحانه بطلانه وأظهر إنكاره ، على أنه لا طائل في النطق بالباطل في ذلك المقام ، ألا ترى كيف أتى بالصدق الذي لا ريب فيه في قوله : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ) إلى آخره وقوله : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ) إلى آخره اه. واعترض قوله : وإلا لبين سبحانه بطلانه بأنه ينقلب عليه في قول المستكبرين (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) إذ لم يعقب بالبطلان على وجه التوريك الذي ادعاه ، وكذلك قوله : على أنه لا طائل إلى آخره.
والجواب أن الأول غير متعين لذلك الوجه كما سمعت ، ومع ذلك قد عقب بالبطلان في مواضع عديدة ، ويكفي حكاية الكذب عنهم في ذلك الموطن ، وذلك في الموطن على توهم أنه نافع كما حكى الله تعالى عنهم ، أما بعد قضاء الأمر ودخول أهل الجنة الجنة والنار النار فلا يتوهم لذلك طائل البتة ؛ لا سيما والشيطان لا غرض له في ذلك