الخاطر. ومنهم من جعله تعليلا لعدم إصراخهم إياه وهو مما لا وجه له إذ لا احتمال لذلك حتى يحتاج إلى التعليل ، وقيل : لأن تعليل عدم إصراخهم بكفره يوهم أنهم بسبيل من ذلك لو لا المانع من جهته.
واعترض بأن نحو هذا الإيهام جار في الوجه الأول وهم الكفرة الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين. وتعقب في البحر القول بالموصولية بأن فيه إطلاق ما على الله تعالى والأصح فيها أنها لا تطلق على آحاد من يعلم ، وما في سبحان ما سخركن يجوز أن تكون مصدرية بتقدير مضاف أي سبحان موجد أو ميسر تسخير كن لنا.
وقال الطيبي : إن ما لا تستعمل في ذي العلم إلا باعتبار الوصفية فيه وتعظيم شأنه والمثال على ذلك أي سبحان العظيم الشأن الذي سخركن للرجال مع مكركن وكيدكن ، وكون ما موصولة عبارة عن الصنم أي إني كفرت بالصنم الذي أشركتمونيه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الظاهر أنه من تمام كلام إبليس قطعا لأطماع الكفار من الإغاثة والإعانة ، وحكى الله تعالى عنه ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيها للسامعين وحثا لهم على النظر في عاقبتهم والاستعداد لما لا بد منه وأن يتصوروا ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول فيخافوا ويعملوا ما ينفعهم هناك ، وقيل : إنه من كلام الخزنة يوم ذاك ، وقيل : إنه ابتداء كلام من جهته تعالى ، وأيد بأنه قرأ الحسن. وعمرو بن عبيد (أُدْخِلَ) في قوله تعالى :
(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم. وأنت تعلم أنه إذا اعتبرت هذه القراءة مؤيدة لهذا القول فلتعتبر قراءة الجمهور (أُدْخِلَ) بصيغة الماضي المبني للمفعول مؤيدة لما قبله فإن المدخلين الملائكة عليهمالسلام فتأمل ، وكأن الله تعالى لما جمع الفريقين في قوله سبحانه : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) وذكر شيئا من أحوال الكفار ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من ادخالهم الجنة (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بأمره سبحانه أو بتوفيقه وهدايته جل شأنه ، والجار والمجرور متعلق ـ بأدخل ـ على قراءة الجمهور. وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار مزيد اللطف بهم ، وعلقه جماعة على القراءة الأخرى بقوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي يحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم. وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدري وفعل عليه وهو غير جائز لما أن ذلك في حكم تقديم جزء من الشيء المرتب الأجزاء عليه. ورد بأن الظاهر أنه هنا غير منحل إليهما لأنه ليس المعنى المقصود منه أن يحيوا فيها بسلام ، ولو سلم فمراد القائل بالتعلق التعلق المعنوي فالعامل فيه فعل مقدر يدل عليه (تَحِيَّتُهُمْ) أي يحيون بإذن ربهم.
وقال العلامة الثاني : الأظهر أن التقديم جائز إذا كان المعمول ظرفا أو شبهه وهو في الكلام كثير ، والتقدير تكلف ، وليس كل مؤول بشيء حكمه حكم ما أوّل به ، مع أن الظرف مما يكفيه رائحة من الفعل لأن له شأنا ليس لغيره لتنزله من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيه وعدم انفكاكه عنه ، ولهذا اتسع في الظروف ما لم يتسع في غيرها اه ، وبالجواز أقول ، وإنما لم يجعله المحققون متعلقا ـ بأدخل ـ على تلك القراءة مع أنه سالم من الاعتراض ومشتمل على الالتفات أو التجريد وهو من المحسنات لأن قولك : أدخلته باذني ركيك لا يناسب بلاغة التنزيل ، والالتفات أو التجريد حاصل إذا علق بما بعده أيضا.
وفي الانتصاف الصارف عن هذا الوجه هو أن ظاهر (أُدْخِلَ) بلفظ المتكلم يشعر بأن إدخالهم الجنة لم يكن بواسطة بل من الله تعالى مباشرة وظاهر الاذن يشعر بإضافة الدخول إلى الواسطة فبينهما تنافر ، واستحسن أن يعلق ـ بخالدين ـ والخلود غير الدخول فلا تنافر ، وتعقبه في الكشف بأن ذلك لا يدفع الركاكة وكأنه لما أن الإذن للدخول لا للاستمرار بحسب الظاهر ، وكون المراد بمشيئتي وتيسيري لا يدفع ذلك عند التأمل الصادق ، فما ذهب إليه ابن جني