السيئة غب تصورها وتشكلها بما يناسبها من الصور الموحشة والأشكال الهائلة ، أو قرنوا مع جزاء ذلك أو كتابه فلا حاجة إلى حديث التصور بالصور ، أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم وجاء ذلك في بعض الآثار والظاهر أنه على حقيقة.
ويحتمل ـ على ما قيل ـ أن يكون تمثيلا لمؤاخذتهم على ما اقترفته أيديهم وأرجلهم ، وأصل المقرن بالتشديد من جمع في قرن بالتحريك وهو الوثاق الذي يربط به (فِي الْأَصْفادِ) جمع صفد ويقال فيه صفاد وهو القيد الذي يوضع في الرجل أو الغل الذي يكون في اليد والعنق أو ما يضم به اليد والرجل إلى العنق ويسمى هذا جامعة ؛ ومن هذا قول سلامة بن جندل :
وزيد الخيل قد لاقى صفادا |
|
يعض بساعد وبعظم ساق |
وجاء صفد بالتخفيف وصفد بالتشديد للتكثير وتقول : أصفدته إذا أعطيته فتأتي بالهمزة في هذا المعنى ، وقيل : صفد وأصفد معا في القيد والإعطاء ، ويسمى العطاء صفدا لأنه يقيد. ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا. والجار والمجرور متعلق ـ بمقرنين ـ أو بمحذوف وقع حالا من ضميره أي مصفدين ، وجوز أبو حيان كونه في موضع الصفة لمقرنين (سَرابِيلُهُمْ) أي قمصانهم جمع سربال (مِنْ قَطِرانٍ) هو ما يحلب من شجر الأبهل فيطبخ وتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بما فيه من الحدة الشديدة وقد تصل حرارته إلى الجوف وهو أسود منتن يسرع فيه اشتعال النار حتى قيل : إنه أسرع الأشياء اشتعالا. وفي التذكرة أنه نوعان غليظ براق حاد الرائحة ويعرف بالبرقي ، ورقيق كمد ويعرف بالسائل والأول من الشربين خاصة والثاني من الأرز والسدر ونحوهما والأول أجود وهو حار يابس في الثالثة أو الثانية ، وذكر في الزفت أنه من أشجار كالأرز وغيره ، وأنه إن سال بنفسه يقال زفت وإن كان بالصناعة فقطران ، ويقال فيه : قطران بوزن سكران.
وروي عن عمر. وعلي رضي الله تعالى عنهما أنهما قرءا به ، وقطران بوزن سرحان ولم نقف على من قرأ بذلك ، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع النصب على الحالية من المجرمين أو من ضميرهم في (مُقَرَّنِينَ) أو من (مُقَرَّنِينَ) نفسه على ما قيل رابطها الضمير فقط كما في كلمته فوه إلى في أو مستأنفة ، وأيّا ما كان ففي (سَرابِيلُهُمْ) تشبيه بليغ وذلك أن المقصود أنه تطلى جلود أهل النار بالقطران حتى يعود طلاؤه كالسرابيل وكأن ذلك ليجتمع عليهم الألوان الأربعة من العذاب لذعه وحرقه وإسراع النار في جلودهم واللون الموحش والنتن على أن التفاوت بين ذلك القطران وما نشاهده كالتفاوت بين النارين فكان ما نشاهده منهما أسماء مسمياتها في الآخرة فبكرمه العميم نعود وبكنفه الواسع نلوذ ، وجوز أن تكون في الكلام استعارة تمثيلية بأن تشبه النفس الملتبسة بالملكات الرديئة كالكفر والجهل والعناد والغباوة بشخص لبس ثيابا من زفت وقطران ، ووجه الشبه تحلى كل منهما بأمر قبيح مؤذ لصاحبه يستكره عند مشاهدته ، ويستعار لفظ أحدهما للآخر ، ولا يخفى ما في توجيه الاستعارة التمثيلية بهذا من المساهلة وهو ظاهر ، على أن القول بهذه الاستعارة هنا أقرب ما يكون إلى كلام الصوفية ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون القطران المذكور عين ما لابسوه في هذه النشأة وجعلوه شعارا لهم من العقائد الباطلة والأعمال السيئة المستجلبة لفنون العذاب قد تجسدت في النشأة الآخرة بتلك الصورة المستتبعة لاشتداد العذاب ، عصمنا الله تعالى من ذلك بلطفه وكرمه. وأنت تعلم أن التشبيه البليغ على هذا على حاله. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وأبو هريرة. وعكرمة. وقتادة. وجماعة من «قطران» على أنهما كلمتان منونتان أولاهما «قطر» بفتح القاف وكسر الطاء وهي النحاس مطلقا أو المذاب منه وثانيتهما «آن» بوزن عان بمعنى شديد الحرارة.
قال الحسن : قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) أي تعلوها وتحيط بها