ولجدت حتى كدت تبخل حائلا |
|
للمنتهى ومن السرور بكاء |
وكلا الوجهين يحمل الكلام على المبالغة بنوع من الإيقاظ إليها ، والعمدة في ذلك على سياق الكلام لأنه إذا اقتضى مثلا تكثيرا فدخلت فيه عبارة يشعر ظاهرها بالتقليل استيقظ السامع لأن المراد المبالغة على إحدى الطريقتين المذكورتين ، وقال في الكشف : الأصل في هذا الباب أن استعارة أحد الضدين للآخر تفيد المبالغة للتعكيس ولا تختص بالتهكم والتمليح على ما يوهمه ظاهر لفظ صاحب المفتاح في موضع فهو الذي عد المفازة من هذا القبيل لقصد التفاؤل ثم قد يختصر موقعها بفائدة زائدة كما ذكره الزمخشري في هذا المقام ، وليس في ذلك كناية إيمائية وإنما ذلك من فوائد هذه الاستعارة وسيجيء إن شاء الله تعالى فيه كلام أتم بسطا في سورة التكوير اه.
والحق أنه لا مانع من القول بالكناية الإيمائية كما لا يخفى ، وقيل : إن التقليل بالنسبة إلى زمان ذهاب عقلهم من الدهشة بمعنى أنه تدهشهم أهوال القيامة فيبهتون فإن وجدت منهم إفاقة ما تمنوا ذلك ، وظاهر صنيع العلامة التفتازاني في المطول اختياره ، وجوز أن تكون مستعارة للتكثير والقول بالاستعارة له لا يحتاج إليه على القول المحكي عن صاحب العين ومن معه حسبما سمعت ، وذكر ابن الحاجب أنها نقلت من التقليل إلى التحقيق كما تنقل قد إذا دخلت على المضارع منه إليه. ومفعول (يَوَدُّ) محذوف أي الإسلام بدلالة (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) بناء على أن (لَوْ) للتمني والجملة في موقع الحال أي قائلين لو كانوا مسلمين ، وتقدير المفعول ما ذكرنا هو الذي ذهب إليه غير واحد ، وقال الشهاب : تقديره النجاة ولا ينبغي تقدير الإسلام لأنه يصير تقديره يودوا الإسلام لو كانوا مسلمين وهو حشو وفيه نظر.
وقال صاحب الفرائد : أن (لَوْ كانُوا) إلى آخره منزل منزلة المفعول. وتعقب بأنه غير ظاهر إذ ليس ذلك مما يعمل في الجمل إلا أن يكون بمعنى ذكروا التمني ويجري مجرى القول على مذهب بعض النحاة. والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك : حلف بالله تعالى ليفعلن ولو قلت لأفعلن لجاز ، وعلى ذلك جاء قوله تعالى (تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ) [النمل : ٤٩] بالنون والياء وإيثار الغيبة أكثر لئلا يلبس والتعليل بقلة التقدير ليس بشيء كما كشف ذلك في الكشف ، وأنكر قوم ورود (لَوْ) للتمني ، وقالوا ليست قسما برأسها وإنما هي الشرطية أشربت معنى التمني وعلى الأول الأصح لا جواب لها على الأصح. وقد نص على ذلك ابن الضائع وابن هشام الخضراوي ، ونقل أنهما قالا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط سهو ؛ وذكر أبو حيان أن الذي يظهر أنها لا بد لها من جواب لكنه التزم حذفه لإشرابها معنى التمني لأنه متى أمكن تقليل القواعد وجعل الشيء من باب المجاز كان أولى من تكثير القواعد وادعاء الاشتراك لأنه يحتاج إلى وضعين والمجاز ليس فيه إلا وضع واحد وهو الحقيقة ، وقيل : إنها هنا امتناعية شرطية والجواب محذوف تقديره لفازوا ومفعول (يَوَدُّ) ما علمت ، وزعم بعضهم مصدريتها فيما إذا وقعت بعد ما يدل على التمني فالمصدر حينئذ هو المفعول وهو على القول بأن ما نكرة موصوفة بدل منها كما في البحر. وقرأ عاصم. ونافع «ربما» بتخفيف الباء وعن أبي عمرو التخفيف والتشديد ، وقرأ طلحة بن مصرف وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ربتما بزيادة تاء هذا ، وإنما أطنبت الكلام في هذه الآية لا سيما فيما يتعلق ـ برب ـ لما أنه قد جرى لي بحث في ذلك مع بعض العظاميين فأبان عن جهل عظيم وحمق جسيم ، ورأيته ورب الكعبة أجهل من رأيت من صغار الطلبة ـ برب ـ نعم له من العظاميين أمثال أصمهم الله تعالى وأعمى بالهم وقللهم ولا أكثر أمثالهم. (ذَرْهُمْ) أي اتركهم وقد استغنى غالبا عن ماضيه بماضيه وجاء قليلا وذر ، وفي الحديث «ذروا الحبشة ما وذروكم» والمراد من الأمر التخلية بينهم وبين شهواتهم إذ لم تنفعهم النصيحة والانذار كأنه قيل : خلهم وشأنهم (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) بدنياهم ، وفي تقديم الأكل