مزارعكم ومواشيكم وهو على ما قيل أبلغ من سقيناكم لما فيه من الدلالة على جعل الماء معدا لهم ينتفعون به متى شاءوا ، وقد فرق بين أسقى وسقى غير واحد فقد قال الأزهري : العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام أو من السماء أو من نهر جار أسقيته أي جعلت شربا له وجعلت له منه مسقى فإذا كان للشفة قالوا سقى ولم يقولوا أسقى ، وقال أبو علي : يقال سقيته حتى روي وأسقيته نهرا جعلته شربا له ، وربما استعملوا سقى بلا همزة كأسقى كما في قول لبيد يصف سحابا :
أقول وصوته مني بعيد |
|
يحط اللث (١) من قلل الجبال |
سقى قومي بني نجد وأسقى |
|
نميرا والقبائل من هلال |
فإنه لا يريد بسقى قومي ما يروي عطاشهم ولكن يريد رزقهم سقيا لبلادهم يخصبون بها وبعيد أن يسأل لقومه ما يروي ولغيرهم ما يخصبون به ، ولا يرد على قول الأزهري أنه لا يقال أسقي في سقيا الشفة قول ذي الرمة :
وأسقيه حتى كاد مما أبثه |
|
يكلمني أحجاره وملاعبه |
قال الإمام : لأنه أراد بأسقيه أدعو له بالسقيا ولا يقال في ذلك كما قال أبو عبيد سوى أسقي ، هذا وقد جاء الضمير هنا متصلا بعد ضمير منصوب متصل أعرف منه ومذهب سيبويه في مثل ذلك وجوب الاتصال.
(وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) نفى سبحانه عنهم ما أثبته لجنابه بقوله جل جلاله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) كأنه قيل : نحن القادرون على إيجاده وخزنه في السحاب وإنزاله ، وما أنتم على ذلك بقادرين ، وقيل : المراد نفي حفظه أي وما أنتم له بحافظين في مجاريه عن أن يغور فلا تنتفعون به وعن سفيان أن المعنى وما أنتم له بمانعين لإنزاله من السماء (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي) بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها (وَنُمِيتُ) بإزالتها عنها فالحياة صفة وجودية وهي كما قيل صفة تقتضي الحس والحركة الإرادية والموت زوال تلك الصفة ، وقال بعضهم : إنه صفة وجودية تضاد الحياة لظاهر قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ) [الملك : ٢] وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك ، وقد يعمم الإحياء والإماتة بحيث يشمل الحيوان والنبات مثل أن يقال : المراد إعطاء قوة النماء وسلبها ، وتقديم الضمير للحصر ، وهو إما توكيد للأول أو مبتدأ خبره الجملة بعده والمجموع خبر لإنا ، وجوز كونه ضمير فصل ورده أبو البقاء بوجهين أحدهما أنه لا يدخل على الخبر الفعلي والثاني أن اللام لا تدخل عليه ، وتعقب ذلك في الدر المصون بأن الثاني غلط فإنه ورد دخول اللام عليه في قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) [آل عمران : ٦٢] ودخوله على المضارع مما ذهب إليه الجرجاني وبعض النحاة ، وجعلوا من ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج : ١٣] ولعل ذلك المجوز ممن يرى هذا الرأي والعجب من أبي البقاء فإنه رد ذلك هنا وجوزه في قوله تعالى : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر : ١٠] كما نقله في المغني.
(وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) أي الباقون بعد فناء الخلق قاطبة المالكون للملك عند انقضاء زمان الملك المجازي ، الحاكمون في الكل أولا وآخرا أو ليس لأحد إلا التصرف الصوري والملك المجازي وفي هذا تنبيه على أن المتأخر ليس بوارث للمتقدم كما يتراءى من ظاهر الحال ، وتفسير الوارث بالباقي مروي عن سفيان وغيره ، وفسر بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام : «اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا» وهو من باب الاستعارة (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) من مات (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) من هو حي لم يمت بعد أخرجه ابن أبي
__________________
(١) يقال ألث المطر إذا أقام أياما لا يقلع ولعل المراد باللث هنا المطر الدائم اه منه.