فيجيء الدور. الخامس سلمنا عدم تعلقها ببدن قبل لكن لم لا يجوز أن تكون موصوفة بعارض باعتباره كانت متميزة ثم يكون كل عارض بسبب عارض آخر لا إلى أول.
السادس : المعارضة وهي أن الأرواح عند الفريقين باقية بعد المفارقة ولا يكون تمايزها بالماهية ولوازمها بل بالعوارض لكن الأرواح الهيولانية التي لم تكتسب شيئا من العوارض إذا فارقت لا يكون فيها شيء من العوارض سوى أنها كانت متعلقة بأبدان فإن كفى هذا القدر في وقوع التمايز فليكف أيضا كونها بحيث يحدث لها بعد التعلق بأبدان متمايزة ، قولهم : لم لا يجوز أن تكون قبل واحدة فتكسرت ، قلنا : لا يجوز لأن كل ما انقسم وجوب أن يكون جزؤه مخالفا لكله ضرورة أن الشيء مع غيره ليس هو لا مع غيره فتلك المخالفة إن كانت بالماهية أو لوازمها وجب أن يكون كل واحد من الأجزاء مخالفا للآخر بالماهية فتكون تلك الأجزاء قد كانت متميزة أبدا وكانت موجودة قبل التعلق.
فهذه الأمور المتعلقة الآن بالأبدان كانت متميزة قبل التعلق بها وإن كانت المخالفة لا بالماهية ولا بلوازمها فلا بد أن يكون الجزء أصغر مقدارا من الكل وإلا لم يكن أحدهما أولى بأن يكون جزء الآخر من العكس ، فثبت أن كل واحد قابل للانقسام فلا بد أن يكون ذا مقدار. سلمنا أن المجرد لا يمكن أن ينقسم بعد وحدته لكن تعينات تلك الأجزاء إنما تحدث بعد الانقسام الحاصل بعد التعلق بالبدن فيكون تعين كل واحد من تلك الأجزاء بعد التعلق بالبدن فيكون تعين كل واحدة من تلك النفوس من حيث هي حادثا وهو المطلوب.
وقولهم : لم قلتم إن الامتياز لا يوجد إلا عند عند الاختصاص بوصف ، قلنا : يجاب بنحو ما ذكروه في تشخص التشخص ، وقولهم لم قلتم : إن النفوس لا يجوز أن تتمايز بالصفات المقومة؟ قلنا : هب أن الأمر كما قلتموه إلا أنا لا نعرف بالبديهة أن كل نوع من أنواعها فإنها مقولة على أشخاص عدة بالضرورة فإنا نعلم أنه ليس يجب أن يكون كل إنسان مخالفا لجميع الناس في الماهية ، وإذا وجد في كل نوع من أنواعها شخص فقد تمت الحجة.
وقولهم : إن هذه الحجة مبنية على إبطال التناسخ. قلنا : ليس كذلك. لأنا إذا وجدنا من النوع الواحد شخصين علمنا أن تلك الشخصية ليست معلولة لتلك الماهية لأن كل ما كان كذلك كان نوعه في شخصه ، ولما لم يكن كذلك علمنا أن شخصيته ليست من لوازم ماهيته فهي إذن لعلة خارجية ، وقد عرفت أن العلة هي المادة ومادة النفس هي البدن فإذن تعينها لا بد وأن يكون للتعلق ببدن معين فتكون لا محالة غير متعينة قبل ذلك البدن فهي معدومة قبله.
وبهذا يظهر أن كل ما نوعه مقول على كثيرين بالفعل فهو محدث ، فاتضح من هذا أنه متى سلم كون النفوس متحدة في النوع يلزم حدوثها وأنه لا يحتاج في ذلك إلى إبطال التناسخ ليجيء الدور السابق. قولهم : لم لا يجوز أن تكون موصوفة بعارض إلخ؟ قلنا : لا يجوز أن يكون امتيازها بذلك لأن النفس المعينة عن غيرها حكم معين لا بد له من علة معينة ، وتلك العلة لا يمكن أن تكون حالة فيها لأن ذلك متوقف على امتيازها عن غيرها فلو توقف ذلك الامتياز على حلول ذلك الحال لزم الدور ، فإذن تلك العلة أمر عائد إلى القابل وقبل البدن لا قابل فلا تميز. والمتكلمون يبطلون مثل ما ذكر بلزوم التسلسل الذي يبطله برهان التطبيق.
وأما المعارضة فالجواب عنها بأن النفوس الهيولانية يتميز بعضها عن البعض أولا بسبب تعلقها بالقابل المعين ثم إنه يلزم من تعين كل واحد منها شعورها بذاتها الخاصة وقد بين أن شعور الشيء بذاته حالة زائدة على ذاته ثم إن ذلك الشعور يستمر فلا جرم يبقى الامتياز.
والحاصل أن الامتياز لا بد وأن يحصل أولا بسبب آخر حتى يحصل لكل من النفوس شعور بذاته الخاص