رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(٩٩)
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي مستقرون في ذلك خالدون فيه ، والمراد بهم ـ على ما في الكشاف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ الذين اتقوا الكفر والفواحش ولهم ذنوب تكفرها الصلوات وغيرها ، وفيه أن المتقي على الإطلاق من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهي عنه ، ونقل الإمام عن جمهور الصحابة والتابعين وذكر أنه المنقول عن الخير أن المراد بهم الذين اتقوا الشرك ثم قال : وهذا هو الحق الصحيح ، والذي يدل عليه أن المتقي هو الآتي بالتقوى مرة واحدة كما أن الضارب هو الآتي بالضرب مرة فليس من شرط صدق الوصف بكونه متقيا كونه آتيا بجميع أنواع التقوى ، والذي يقرر ذلك أن الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى يكون آتيا بالتقوى فإن الفرد مشتمل على الماهية بالضرورة وكل آت بالتقوى يجب أن يكون متقيا فالآتي بفرد يجب كونه متقيا ، ولهذا قالوا : ظاهر الأمر لا يفيد التكرار فظاهر الآية يقتضي حصول الجنات والعيون لكل من اتقى عن ذنب واحد إلا أن الأمة مجمعة على أن التقوى عن الكفر شرط في حصول هذا الحكم ، وأيضا هذه الآية وردت عقيب قول إبليس : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وعقيب قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) فلذا اعتبر الإيمان في هذا الحكم فوجب أن لا يزاد فيه قيد آخر لأن تخصيص العام لما كان خلاف الظاهر ، فكلما كان التخصيص أقل كان أوفق بمقتضى الأصل والظاهر فثبت أن الحكم المذكور يتناول جميع القائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولو كانوا من أهل المعصية ، وهذا تقرير بين وكلام ظاهر اه. وقد يقال : لا شبهة في أن السياق يدل على أن المتقين هم المخلصون السابق ذكرهم وأن المطلق يحمل على الكامل والكامل ما أشار إليه الزمخشري ولا بأس بالحمل عليه وقيل إنه الأنسب.
وإخراج العصاة من النار ثابت بنصوص أخر ، وكذا إدخال التائبين الجنة بل غيرهم أيضا فلا يلزم القائل بذلك القول بما عليه المعتزلة من تخليد أصحاب الكبائر كما لا يخفى ، وأل للاستغراق وهو إما مجموعي فيكون لكل واحد من المتقين جنة وعين أو إفرادي فيكون لكل جنات وعيون ، والمراد بالعيون يحتمل كما قيل أن يكون الأنهار المذكورة في قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) [محمد : ١٥] الآية ، ويحتمل أن يكون منابع مغايرة لتلك الأنهار وهو الظاهر ، وهل كل من المتقين مختص بعيونه أو ليس مختصا بل تجري من بعض إلى بعض احتمالان فإنه يمكن أن يكون لكل واحد عين وينتفع بها من في معيته ، ويمكن أن تجري العين من بعضهم إلى بعض لأنهم مطهرون عن الحقد والحسد ، وضم العين من (عُيُونٍ) هو الأصل وبه قرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام وقرأ الباقون بالعكس وهو لمناسبة الياء. (ادْخُلُوها) أمر لهم بالدخول من قبله تعالى ، وهو بتقدير القول على أنه حال أي وقد قيل لهم ادخلوها ، فلا يرد أنه بعد الحكم بأنهم في الجنة كيف يقال