الغليل وإن من أوتيه لا يضره فقد شيء سواه ومن طلب الهوى في غيره ترك وهواه اه فتدبر (إِنَّ رَبَّكَ) الذي يبلغك إلى غاية الكمال (هُوَ الْخَلَّاقُ) لك ولهم ولسائر الأشياء على الإطلاق (الْعَلِيمُ) بأحوالك وأحوالهم وبكل شيء فلا يخفى عليه جل شأنه شيء مما جرى بينك وبينهم فحقيق أن تكل الأمور إليه ليحكم بينكم أو هو الذي خلقكم وعلم تفاصيل أحوالكم وقد علم سبحانه أن الصفح الجميل اليوم أصلح إلى أن يكون السيف أصلح ، فهو تعليل للأمر بالصفح على التقديرين على ما قيل ، وقال بعض المدققين : إنه على الأخير تذييل للأمر المذكور وعلى الأول لقوله سبحانه : (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والجحدري والأعمش ومالك بن دينار «هو الخالق» وكذا في مصحف أبي. وعثمان رضي الله تعالى عنهما وهو صالح للقليل والكثير و (الْخَلَّاقُ) مختص بالكثير و (الْعَلِيمُ) أوفق به ، وهو على ما قيل أنسب بما تقدم من قوله سبحانه : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً) أي سبع آيات وهي الفاتحة وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وأبي جعفر وأبي عبد الله والحسن ومجاهد وأبي العالية والضحاك وابن جبير وقتادة رضي الله تعالى عنهم. وجاء ذلك مرفوعا أيضا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حديث أبيّ وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : سبع سور وهي الطول وروي ذلك أيضا عن عمر وابن عباس وابن مسعود وابن جبير ومجاهد وهي في رواية : البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة سورة واحدة ، وفي أخرى عد براءة دون الأنفال السابعة ، وفي أخرى عد يونس دونهما ، وفي أخرى عد الكهف ، وقيل : السبع آل حم ، وقيل : سبع صحف من الصحف النازلة على الأنبياء عليهمالسلام ، على معنى أنه عليه الصلاة والسلام أوتي ما يتضمن سبعا منها وإن لم يكن بلفظها وهي الأسباع ، وعن زياد بن أبي مريم هي أمور سبع : الأمر والنهي والبشارة والانذار وضرب الأمثال وتعداد النعم وأخبار الأمم ، وأصح الأقوال الأول. وقد أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ورفعوه ، وقال أبو حيان : إنه لا ينبغي العدول عنه بل لا يجوز ذلك. وأورد على القول بأنها السبع الطول أن هذه السورة مكية وتلك السبع مدنية ، وروي هذا عن الربيع ، فقد أخرج البيهقي في الشعب وابن جرير وغيرهما أنه قيل له : إنهم يقولون : هي السبع الطول فقال : لقد أنزلت هذه الآية وما نزل من الطول شيء وأجيب بأن المراد بإيتائها إنزالها إلى السماء الدنيا ولا فرق بين المدني والمكي فيها. واعترض بأن ظاهر (آتَيْناكَ) يأباه ، وقيل : إنه تنزيل للمتوقع منزلة الواقع في الامتنان ومثله كثير (مِنَ الْمَثانِي) بيان للسبع وهو ـ على ما قال في موضع من الكشاف ـ جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر ويجوز أن يكون مثنى مفعل من التثنية بمعنى التكرير والإعادة كما في قوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤] أي كرة بعد كرة ونحو قولهم لبيك وسعديك وأراد كما في الكشف أنه جمع لمعنى التكرير والإعادة كما ثنى لذلك لكن استعمال المثنى في هذا المعنى أكثر لأنه أول مراتب التكرار ويحتمل أن يريد أن مثنى بمعنى التكرير والإعادة كما أن صريح المثنى كذلك في نحو (كَرَّتَيْنِ) ثم جمع مبالغة وقوله من التثنية إيضاح للمعنى لأنه من الثني بمعنى التثنية والأول أرجح نظرا إلى ظاهر اللفظ والثاني نظرا إلى الأصل وقال في موضع آخر : إنه من التثنية أو الثناء والواحدة مثناة أو مثنية بفتح الميم على ما في أكثر النسخ وإلا قيس على ما قال المدقق بحسب اللفظ أن ذلك مشتق من الثناء أو الثنى جمع مثنى مفعل منهما إما بمعنى المصدر جمع لما صير صفة أو بمعنى المكان في الأصل نقل إلى الوصف مبالغة نحو أرض مأسدة لأن محل الثناء يقع على سبيل المجاز على الثاني والمثنى عليه وكذلك محل الثني ولا بعد في باب العدل أن يكون منقولا عنه لا مخترعا ابتداء ، وإطلاق ذلك على الفاتحة لأنها تكرر قراءتها في الصلاة وروي هذا عن الحسن وأبي عبد الله رحمهماالله تعالى وعن الزجاج لأنها تثنى بما يقرأ بعدها من القرآن وقيل ونسب إلى الحسن أيضا : لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة. وتعقب بأنها كانت مسماة بهذا الاسم قبل نزولها الثاني إذ السورة كما سمعت غير مرة مكية وقيل : لأن