أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطبائع وعلى نواة قابلة لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا إلى نهاية مع اتحاد الماء والأرض والهواء وغيرها بالنسبة إلى الكل علم أن من هذه آثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في شيء من صفات الكمال فضلا عن أن يشاركه في أخص صفاته التي هي الألوهية واستحقاق العبادة أخس الأشياء كالجماد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ولله تعالى در من قال :
تأمل في رياض الورد وانظر |
|
إلى آثار ما صنع المليك |
عيون من لجين شاخصات |
|
على أهدابها ذهب سبيك |
على قضب الزبرجد شاهدات |
|
بأن الله ليس له شريك |
وحيث كان استدلاله بما ذكر لاشتماله على أمر خفي محتاج إلى التفكر والتدبر لمن له نظر سديد ختم الآية بالتفكر (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يتعاقبان خلفة لمنامكم واستراحتكم وسعيكم في مصالحكم من الإسامة وتعهد حال الزرع ونحو ذلك (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يدأبان في سيرهما وإنارتهما أصالة وخلافة وأدائهما ما نيط بهما من تربية الأشجار والزروع وإنضاج الثمرات وتلوينها وغير ذلك من التأثيرات المترتبة عليهما بإذن الله تعالى حسبما يقوله السلف في الأسباب والمسببات ، وليس المراد بتسخير ذلك للمخاطبين تمكينهم من التصرف به كيف شاءوا كما في قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) [الزخرف : ١٣] ونحوه بل تصريفه سبحانه لذلك حسبما يترتب عليه منافعهم ومصالحهم كأن ذلك تسخير لهم وتصرف من قبلهم حسب إرادتهم قاله بعض المحققين.
وقال آخرون : إن أصل التسخير السوق قهرا ولا يصح إرادة ذلك لأن القهر والغلبة مما لا يعقل فيما لا شعور له من الجمادات كالشمس والقمر وعدم تعقله في نحو الليل والنهار أظهر من ذلك فهو هنا مجاز عن الإعداد والتهيئة لما يراد من الانتفاع ، وفي ذلك إيماء إلى ما في المسخر من صعوبة المأخذ بالنسبة إلى المخاطبين.
وذكر الإمام في المراد من التسخير نحو ما ذكر أولا ثم ذكر وجها آخر قال فيه : إنه لا يستقيم إلا على مذهب أصحاب الهيئة وهو أنهم يقولون : الحركة الطبيعية للشمس والقمر هي الحركة من المغرب إلى المشرق فالله تعالى سخر هذه الكواكب بواسطة حركة الفلك الأعظم من المشرق إلى المغرب فكانت هذه الحركة قسرية فلذا ورد فيها لفظ التسخير ، وذكر أيضا أن حدوث الليل والنهار ليس إلا بسبب حركة الفلك الأعظم دون حركة الشمس وأما حركتها فهي سبب لحدوث السنة ولذا لم يكن ذكر الليل والنهار مغنيا عن ذكر الشمس اه ؛ ولا يعترض عليه بأن ما ذكره من قوله : إن حدوث الليل والنهار إلى آخره لا يتأتى في عرض تسعين لأن الليل والنهار لا يحصلان إلا بغروب الشمس وطلوعها وهي هناك لا تغرب ولا تطلع بحركة الفلك الأعظم بل بحركتها الخاصة ولذا كانت السنة يوما وليلة لما أن ذلك العرض غير مسكون وكذا ما يقرب منه فلا يدخل في حيز الامتنان. نعم في كلامه عند المتمسكين بأذيال الشريعة غير ذلك فلينظر ؛ وفي كون الشمس والقمر مما لا شعور لهما خلاف بين العلماء فذهب البعض إلى أنهما عالمان وهو الذي تقتضيه الظواهر وإليه ذهب الصوفية والفلاسفة ، ولم أشعر بوقوع خلاف في أن الليل والنهار مما لا شعور لهما ، نعم رأيت في البهجة القادرية عن القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدسسره العزيز أن الشهر أو الأسبوع يأتيه في صورة شخص فيخبره بما يحدث فيه من الحوادث ، ولعل هذا على نحو ظهور القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب وقوله لمن كان يحفظه : «أنا الذي أسهرتك في الدياجي وأظمأتك في الهواجر» وظهور الموت في صورة كبش أملح وذبحه بين الجنة والنار يوم القيامة كما جاء في الخبر ، وعليك بالإيمان بما جاء عن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم وأنت في الإيمان بغيره بالخيار ، وإيثار صيغة الماضي قيل للدلالة على أن ذلك التسخير أمر واحد