في الباب اه. ويفهم منه جواز اعتبار المجاز في الطرف ، وصرح بذلك بعضهم وفسر «تلبسون» بتتمتعون وتتلذذون ، ويجوز أن يكون المجاز في النقص وما أظهر في التفسير مراد في النظم ، وقيل : الكلام على التغليب أو من باب بنو فلان قتلوا زيدا ففيه إسناد للبعض إلى الكل. وتعقب بأنه وجه لكلا الوجهين أما الأول فلعدم التلبس بالمسند وهو اللبس ، وأما الثاني فلأنه لا يتم بدون المجاز في الطرف فلا وجه للعدول عن اعتباره على النحو السابق إلى هذا ، وقال بعضهم : لا حاجة إلى كل ذلك فإنه لا مانع من تزين الرجال باللؤلؤ. وتعقب بأنه بعد تسليم أنه لا مانع منه شرعا مخالف للعادة المستمرة فيأباه لفظ المضارع الدال على خلافه ، ولا يصح ما يقال : إن في البحر زمردا بحريا وبفرض الصحة يجيء هذا أيضا ، ولعله لما أن النساء مأمورات بالحجاب وإخفاء الزينة عن غير المحارم أخفى التصريح بنسبة اللبس إليهن ليكون اللفظ كالمعنى واستدل أبو يوسف ومحمد عليهما الرحمة بالآية على أن اللؤلؤ يسمى حليا حتى لو حلف لا يلبس حليا فلبسه حنث. وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يقول : لا يحنث لأن اللؤلؤ وحده لا يسمى حليا في العرف وبائعه لا يقال له بائع الحلي كذا في أحكام الجصاص. واستدل بعضهم بالآية على أنه لا زكاة في حلي النساء ، فأخرج ابن جرير عن أبي جعفر أنه سئل هل في حلي النساء صدقة؟ قال : لا هي كما قال الله تعالى : (حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) وهو كما ترى ، ثم إن اللحم الطري يخرج من البحر العذب والبحر الملح والحلية إنما تخرج من الملح ، وقيل : إن العذب يخرج منه لؤلؤ أيضا إلا أنه لا يلبس إلا قليلا والكثير التداوي به ، ولم نر من ذكر ذلك في أكثر الكتب المصنفة لذكر مثل ذلك.
وأخرج البزار عن أبي هريرة قال : كلم الله تعالى البحر الغربي وكلم البحر الشرقي فقال للبحر الغربي : إني حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم؟ قال : أغرقهم. قال : بأسك في نواحيك وحرمه الحلية والصيد وكلم هذا البحر الشرقي فقال : إني حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم؟ قال : أحملهم على يدي وأكون لهم كالوالدة لولدها فأثابه سبحانه الحلية والصيد ، وأخرج نحو ذلك ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص عن كعب الأحبار ، والله تعالى أعلم بصحة ذلك ، وظاهر كلام الأكثرين حمل (الْبَحْرَ) في الآية على البحر الملح وهو مملوء من السمك بل قيل إن السمك يطلق على كل ما فيه من الحيوانات ولا يكون اللؤلؤ إلا في مواضع مخصوصة منه.
(وَتَرَى الْفُلْكَ) السفن (مَواخِرَ فِيهِ) جواري فيه جمع ماخرة بمعنى جارية ، وأصل المخر الشق يقال : مخر الماء الأرض إذا شقها وسميت السفن بذلك لأنها تشق الماء بمقدمها ، وقال الفراء : هو صوت جري الفلك بالرياح (وَلِتَبْتَغُوا) عطف على تستخرجوا وما عطف عليه وما بينهما اعتراض لتمهيد مبادئ الابتغاء ودفع كونه باستخراج الحلية ، وعدل عن نمط الخطاب السابق واللاحق ـ أعني خطاب الجمع إلى خطاب المفرد ـ المراد به كل من يصلح للخطاب إيذانا بأن ذاك غير مسوق مساقهما ، وأجاز ابن الأنباري أن يكون معطوفا على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا ، وأن يكون متعلقا بفعل محذوف أي فعل ذلك لتبتغوا ، وهو تكلف يغني الله تعالى عنه.
(مِنْ فَضْلِهِ) من سعة رزقه بركوبها للتجارة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تقومون بحق نعم الله تعالى بالطاعة والتوحيد ، ولعل تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر لأنها أقوى في باب الأنعام من حيث إنه جعل ركوب البحر مع كونه مظنة الهلاك لأن راكبيه كما قال عمر رضي الله تعالى عنه دود على عود سببا للانتفاع وحصول المعاش وهو من كمال النعمة لقطع المسافة الطويلة في زمن قصير مع عدم الاحتياج إلى الحل والترحال والحركة مع الاستراحة والسكون ، وما أحسن ما قيل في ذلك :