بابل وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية ، ولا يخفى ما في هذا الخبر من المخالفة للمشهور لأن موجبه أن هلاك نمرود كان بما ذكر والمشهور أنه عاش بعد قصة الصرح وأهلكه الله تعالى ببعوضة وصلت لدماغه إظهارا لكمال خسته وعجزه وجازاه سبحانه من جنس عمله لأنه صعد إلى جهة السماء بالنسور فأهلكه الله تعالى بأخس الطيور ، وما ذكر في وجه تسمية المكان المعروف ببابل هو المشهور ، وفي معجم البلدان أن مدينة بابل يوراسف الجبار واشتق اسمها من المشتري لأن بابل باللسان البابلي الأول اسم للمشتري وأخربها الإسكندر ، وما ذكر من أن اللسان كان قبل ذلك السريانية ذكره البغوي ونظر فيه الخازن بأن صالحا عليهالسلام وقومه كانوا قبل وكانوا يتكلمون بالعربية وكان قبائل قبل إبراهيم عليهالسلام مثل طسم وجديس يتكلمون بالعربية أيضا وقد يدفع بالعناية.
وقال الضحاك : الآية إشارة إلى قوم لوط عليهالسلام وما فعل بهم وبقراهم ، والكلام أيضا مبني على الحقيقة واختار جماعة بناءه على التمثيل حسبما سمعت وعليه فالمراد على المختار من الذين كفروا من قبل ما يشمل جميع الماكرين الذين هدم عليهم بنيانهم وسقط في أيديهم وقرأ الأعرج السقف وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ومجاهد (السَّقْفُ) بضم السين فقط وكلاهما جمع سقف وفعل وفعل على ما قال أبو حيان محفوظان في جمع فعل وليسا مقيسين فيه ويجمع على سقوف وهو القياس. وقرأت فرقة (السَّقْفُ) بفتح السين وضم القاف وهي لغة في السقف ، وذكر أن الأصل مضموم القاف وساكنه مخففة وكثر استعماله على عكس قولهم رجل بفتح فضم ورجل بفتح فسكون وهي لغة تميمية (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه منه بل يتوقعون إتيان مقابله مما يريدون ويشتهون ، والمراد به العذاب العاجل ، وفي عطف هذه الجملة على ما تقدم تهويل لأمر هلاكهم ، ويدل على أن المراد به العاجل قوله سبحانه : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) أي يذلهم ، والظاهر أن ضمائر الجمع ـ للذين مكروا ـ من قبل كأنه قيل : قد مكر الذين من قبلهم فعذبهم الله تعالى في الدنيا ثم يعذبهم في العقبى ، و (ثُمَ) للإيماء إلى ما بين الجزاءين من التفاوت مع ما تدل عليه من التراخي الزماني ، وتقديم الظرف على الفعل قيل لقصر الاخزاء على يوم القيامة ، والمراد به ما بين بقوله سبحانه : (وَيَقُولُ) أي لهم تفضيحا وتوبيخا (أَيْنَ شُرَكائِيَ) إلى آخره ، ولا شك أن ذلك لا يكون إلا في ذلك اليوم ، وقال بعض المحققين : ليس التقديم لذلك بل لأن الأخبار بجزائهم في الدنيا مؤذن بأن لهم جزاء أخرويا فتبقى النفس مترقبة إلى وروده سائلة عنه بأنه ما ذا مع تيقنها بأنه في الآخرة فسيق الكلام على وجه يؤذن بأن المقصود بالذكر جزاؤهم لا كونه في الآخرة ، وذكر أيضا أن الجملة المذكورة عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي هذا الذي فهم من التمثيل من عذاب هؤلاء الماكرين القائلين في القرآن العظيم أساطير الأولين أو ما هو أعم منه ، ومما ذكر من عذاب أولئك الماكرين من قبل جزاؤهم في الدنيا ويوم القيامة يخزيهم إلى آخره ، ثم قال : والضمير إما للمغترين في حق القرآن الكريم أو لهم ولمن مثلوا بهم من الماكرين ، وتخصيصه بهم يأباه السباق والسياق اه.
وفيه من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيه فليتأمل ، وفسر بعضهم الاخزاء بما هو من روادف التعذيب بالنار لأنه الفرد الكامل وقد قال تعالى : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران : ١٩٢] وقيل عليه : إن قوله سبحانه : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) إلى آخره يأباه لأنه قبل دخولهم النار. وأجيب بأن الواو لا تقتضي الترتيب ، وأنت تعلم أن الأولى مع هذا حمله على مطلق الإذلال ، وإضافة الشركاء إلى نفسه عزوجل لأدنى ملابسة بناء على زعمهم أنهم شركاء لله سبحانه عما يشركون فتكون الآية كقوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام : ٢٢].
وجوز أن يكون ما ذكر حكاية منه تعالى لإضافتهم فإنهم كانوا يضيفون ويقولون : شركاء الله تعالى ، وفي ذلك