رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٧٨)
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) أي لا أنزهها عن السوء قال ذلك عليهالسلام : هضما لنفسه البرية عن كل سوء وتواضعا لله تعالى وتحاشيا عن التزكية والإعجاب بحالها على أسلوب قوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»(١) أو تحديثا بنعمة الله تعالى وإبرازا لسره المكنون في شأن أفعال العباد أي لا أنزهها من حيث هي ـ هي ـ ولا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله سبحانه بل إنما ذلك بتوفيقه جل شأنه ورحمته ، وقيل : إنه أشار بذلك إلى أن عدم التعرض لم يكن لعدم الميل الطبيعي بل لخوف الله تعالى (إِنَّ النَّفْسَ) البشرية التي من جملتها نفسي في حد ذاتها (لَأَمَّارَةٌ) لكثيرة الأمر (بِالسُّوءِ) أي بجنسه ، والمراد أنها كثيرة الميل إلى الشهوات مستعملة في تحصيلها القوى والآلات. وفي كثير من التفاسير أنه عليهالسلام حين قال : (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) قال له جبريل عليهالسلام : ولا حين هممت؟ فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) إلخ ، وقد أخرجه الحاكم في تاريخه وابن مردويه بلفظ قريب من هذا عن أنس مرفوعا ، وروي ذلك عن ابن عباس وحكيم بن جابر والحسن وغيرهم ، وهو إن صح يحمل الهم فيه على الميل الصادر عن طريق الشهوة البشرية لا عن طريق العزم والقصد ، وقيل : لا مانع من أن يحمل على الثاني ويقال : إنه صغيرة وهي تجوز على الأنبياء عليهمالسلام قبل النبوة ، ويلتزم أنه عليهالسلام لم يكن إذ ذاك نبيا.
والزمخشري جعل ذلك وما أشبهه من تلفيق المبطلة وبهتهم على الله تعالى ورسوله ، وارتضاه وهو الحري بذلك ابن المنير وعرض بالمعتزلة بقوله : وذلك شأن المبطلة من كل طائفة (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) قال ابن عطية : الجمهور على أن الاستثناء منقطع و (ما) مصدرية أي لكن رحمة ربي هي التي تصرف عنها السوء على حد ما جوز في قوله سبحانه : (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) [يس : ٢٣] وجوز أن يكون استثناء من أعم الأوقات و (ما) مصدرية ظرفية زمانية أي هي أمارة بالسوء في كل وقت إلا في وقت رحمة ربي وعصمته ، والنصب على الظرفية لا على الاستثناء كما توهم ، لكن فيه التفريغ في الإثبات والجمهور على أنه لا يجوز إلا بعد النفي أو شبهه. نعم أجازه بعضهم في الإثبات إن استقام المعنى كقرأت إلا يوم الجمعة. وأورد على هذا بأنه يلزم عليه كون نفس يوسف وغيره من الأنبياء
__________________
(١) روي «ولا فخر» بالمعجمات من فوق ومعناه الكلام الباطل اه منه.