لأن القسم إذا لم يكن معه علامة الإثبات كان على النفي وعلامة الإثبات هي اللام ونون التأكيد وهما يلزمان جواب القسم المثبت فإذا لم يذكرا دل على أنه منفي لأن المنفي لا يقارنهما ولو كان المقصود هاهنا الإثبات لقيل لتفتأن ، ولزوم اللام والنون مذهب البصريين ، وقال الكوفيون والفارسي : يجوز الاقتصار على أحدهما وجاء الحذف فيما إذا كان الفعل حالا كقراءة ابن كثير «لأقسم بيوم القيامة» وقوله :
لأبغض كل امرئ |
|
يزخرف قولا ولا يفعل |
ويتفرع على هذا مسألة فقهية وهي أنه إذا قال : والله أقوم يحنث إذا قام وإن لم يقم لا ، ولا فرق بين كون القائل عالما بالعربية أولا على ما أفتى به خير الدين الرملي ، وذكر أن الحلف بالطلاق كذلك فلو قال : علي الطلاق بالثلاث تقومين الآن تطلق إن قامت ولا تطلق إن لم تقم ، وهذه المسألة مهمة لا بأس بتحقيق الحق فيها وإن أدى إلى الخروج عما نحن بصدده فنقول : قال غير واحد : إن العوام لو أسقطوا اللام والنون في جواب القسم المثبت المستقبل فقال أحدهم : والله أقوم مثلا لا يحنث بعدم القيام فلا كفارة عليه ، وتعقبه المقدسي بأنه ينبغي أن تلزمهم الكفارة لتعارفهم الحلف كذلك ، ويؤيده ما في الظهيرية أنه لو سكن الهاء أو نصب في بالله يكون يمينا مع أن العرب ما نطقت بغير الجر ، وقال أيضا : إنه ينبغي أن يكون ذلك يمينا وإن خلا من اللام والنون ، ويدل عليه قوله في الولوالجية : سبحان الله أفعل لا إله إلا الله أفعل كذا ليس بيمين إلا أن ينويه ، واعترضه الخير الرملي بأن ما نقله لا يدل لمدعاه ، أما الأول فلأنه تغيير إعراب لا يمنع المعنى الموضوع فلا يضر التسكين والرفع والنصب لما تقرر من أن اللحن لا يمنع الانعقاد ، وأما الثاني فلأنه ليس من المتنازع فيه إذ هو الإثبات والنفي لا أنه يمين ، وقد نقل ما ذكرناه عن المذهب والنقل يجب اتباعه ، ونظر فيه.
أما أولا فبأن اللحن كما في المصباح وغيره الخطأ في العربية ، وأما ثانيا فبأن ما في الولوالجية من المتنازع فيه فإنه أتى بالفعل المضارع مجردا من اللام والنون وجعله يمينا مع النية ولو كان على النفي لوجب أن يقال : إنه مع النية يمين على عدم الفعل كما لا يخفى ، وإنما اشترط في ذلك النية لكونه غير متعارف.
وقال الفاضل الحلبي : إن بحث المقدسي وجيه ، والقول بأنه يصادم المنقول يجاب عنه بأن المنقول في المذهب كان على عرف صدر الإسلام قبل أن تتغير اللغة ، وأما الآن فلا يأتون باللام والنون في مثبت القسم أصلا ويفرقون بين الإثبات والنفي بوجود لا ولا وجودها ، وما اصطلاحهم على هذا إلا كاصطلاح الفرس ونحوهم في أيمانهم وغيرها اه ، ويؤيد هذا ما ذكره العلامة قاسم وغيره من أنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه وعادته سواء وافق كلام العرب أم لا ، ومثله في الفتح ، وقد فرق النحاة بين بلى ونعم في الجواب أن بلى لا يجاب ما بعد النفي ونعم للتصديق فإذا قيل : ما قام زيد فإن قلت : بلى كان المعنى قد قام وإن نعم كان ما قام ، ونقل في شرح المنار عن التحقيق أن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر ، ومثله في التلويح ، وقول المحيط والحلف بالعربية أن يقول في الإثبات والله لأفعلن إلى آخر ما قال بيان للحكم على قواعد العربية ، وعرف العرب وعادتهم الخالية عن اللحن وكلام الناس اليوم إلا ما ندر خارج عن هاتيك القواعد فهو لغة اصطلاحية لهم كسائر اللغات الأعجمية التي تصرف فيها أهلها بما تصرفوا فلا يعاملون بغير لغاتهم وقصدهم إلا من التزم منهم الإعراب أو قصد المعنى فينبغي أن يدين ، ومن هنا قال السائحاني : إن أيماننا الآن لا تتوقف على تأكيد فقد وضعناها نحن وضعا جديدا واصطلحنا عليها اصطلاحا حادثا وتعارفناها تعارفا مشهورا فيجب معاملتنا على قدر عقولنا ونياتنا كما أوقع المتأخرون الطلاق بعلي الطلاق ومن لم يدر بعرف أهل زمانه فهو جاهل اه ، ونظير هذا ما قالوه : من أنه لو أسقطت