وجوز أن يكون نصبا على الحال فيكون من عطف الجار والمجرور فقط على مثله أي وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها حال كونها أثاثا. وتعقبه السمين بأن المعنى ليس على هذا وهو ظاهر.
(وَمَتاعاً) أي شيثا يتمتع به وينتفع في المتجر والمعاش قاله المفضل ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المتاع الزينة ، وقال الخليل : الأثاث والمتاع واحد ، والعطف لتنزيل تغاير اللفظ منزلة تغاير المعنى كما في قوله : وألفى قولها كذبا ومينا. والأول أولى (إِلى حِينٍ) إلى انقضاء حاجاتكم منه ، وعن مقاتل إلى بلى ذلك وفنائه ؛ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى الموت ، والكلام في ترتيب المفاعيل مثله فيما مر غير مرة.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) من غير صنع منكم (ظِلالاً) أشياء تستظلون بها من الغمام والشجر والجبال وغيرها وهو الذي يقتضيه الظاهر وروي ذلك عن قتادة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد الاقتصار على الغمام ، وعن الزجاج وقتادة أيضا الاقتصار على الشجر ، وعن ابن قتيبة الاقتصار على الشجر والجبال ولعل كل ذلك من باب التمثيل ، وعن ابن السائب أن المراد ظلال البيوت وهو كما ترى ، ومن سبحانه بما ذكر لأن تلك الديار كانت غالبة الحرارة (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) مواضع تستكنون فيها من الغيران ونحوها ، والواحد كن وأصله السترة من أكنه وكنه أي ستره ويجمع على أكنان وأكنة.
(وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) جمع سربال وهو كل ما يلبس أي جعل لكم لباسا من القطن والكتان والصوف وغيرها (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) خصه بالذكر كما قال المبرد اكتفاء بذكر أحد الضدين عن الآخر أعني البرد ، ولم يخص هو بالذكر اكتفاء لأن وقاية الحر أهم عندهم لما مر آنفا.
وقال بعضهم : من الرأس خص الحر بالذكر لأن وقايته أهم. وتعقب دعوى الأهمية بأنه يبعدها ذكر وقاية البرد سابقا في قوله تعالى : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) ثم قيل : وهذا وجه الاقتصار على الحر هنا لتقدم ذكر خلافه ثمت.
واعترض بأنا لا نسلم أن إثبات الدفء هناك يبعد دعوى الأهمية بل في تغاير الأسلوبين ما يشعر بهذه الأهمية ، وقال الزجاج : خص الحر بالذكر لأن ما يقي من الحر يقي من البرد ، وذكر ذلك الزمخشري بعد ذكر الأهمية ، وقال في الكشف : هو الوجه ، وتخصيص الحر بالذكر لما قدمه في الوجه الأول يعني الأهمية ، وما قيل : من أولوية الأول لقوله تعالى : (مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) فليس بشيء لأنه تعالى عقبه بقوله سبحانه (مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) كيف وهو في مقام الاستيعاب اه ، وصاحب القيل هو ابن المنير ، وقد اعترض أيضا على قوله : إن ما يقي من الحر يقي من البرد بأنه خلاف المعروف فإن المعروف أن وقاية الحر رقيق القمصان ورفيعها ووقاية البرد ضده ولو لبس الإنسان في كل واحد من الفصلين القيظ والشتاء لباس الآخر لعد من الثقلاء اه فتدبر.
(وَسَرابِيلَ) من الجواشن والدروع (تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) أي البأس الذي يصل من بعضكم إلى بعض في الحروب من الضرب والطعن ، وقال بعضهم : أصل البأس الشدة وأريد به هنا الحرب ، والكلام على حذف مضاف أي أذى بأسكم ، وعلى الأول لا حاجة إليه وقد رجح لذلك (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الإتمام للنعمة في الماضي (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) في المستقبل ، ومن هنا قيل :
كما أحسن الله فيما مضى |
|
كذلك يحسن فيما بقي |
أو مثل هذا الإتمام البالغ يتم نعمته عليكم ، وإفراد النعمة إما لأن المراد بها المصدر أو لإظهار أن ذلك بالنسبة إلى جناب الكبرياء شيء قليل. وقرأ ابن عباس «تتم» بتاء مفتوحة و «نعمته» الرفع على الفاعلية وإسناد التمام إليها على الاتساع ، وعنه أيضا رضي الله تعالى عنه «نعمه» بصيغة الجمع (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) أي إرادة أن تنظروا فيما أسبغ