اعتبر ومن سمع كلامه اتعظ ومن جالسه سعد انتهى. وفي الآية إشارة أيضا إلى أنه تعالى قد يودع الشخص الحقير الشيء العزيز فإنه سبحانه أودع النحل وهي من أحقر الحيوانات وأضعفها العسل وهو من ألذ المذوقات وأحلاها فلا ينبغي التقيد بالصور والاحتجاب بالهيئات ، وفي الحديث «رب أشعث أغبر ذي طمرين لو اقسم على الله تعالى لأبره» وعن يعسوب المؤمنين على كرم الله تعالى وجهه لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) قيل الإشارة فيه إلى تفاوت أرزاق السالكين فرزق بعضهم طاعات ، وبعض آخر مقامات وبعض حالات وبعض مكاشفات وبعض مشاهدات وبعض معرفة وبعض محبة وبعض توحيد إلى غير ذلك ، وذكروا أن رزق الأشباح العبودية ورزق الأرواح رؤية أنوار الربوبية ورزق العقول الأفكار ورزق القلوب الأذكار ورزق الأسرار حقائق العلوم الغيبية المكشوفة لها في مجالس القرب ومشاهدة الغيب (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) لتقدسه تعالى عن الأوهام والإشارات والعبارات وتنزهه سبحانه عن درك الخليقة فإن الخلق لا يدرك إلا خلقا ، ولذا قال علي كرم الله تعالى وجهه : إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها فلا يعرف الله تعالى إلا الله عزوجل وعلل النهي بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) محبا لغير الله تعالى ولا شك أن المحب أسير بيد المحبوب لا يقدر على شيء لأنه مقيد بوثاق المحبة (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) فجعلناه محبا لنا مقبلا بقلبه علينا متجردا عما سوانا وآتيناه من لدنا علما (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا) وذلك من النعم الباطنة (وَجَهْراً) وذلك من النعم الظاهرة (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) لا استعداد فيه للنطق وهو مثل المشرك (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) لعدم استطاعته وقصور قوته للنقص اللازم لاستعداده (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) لعجزه بالطبع عن تحصيل حاجة (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) لعدم استعداده وشرارته بالطبع فلا يناسب إلا الشر الذي هو العدم (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) وهو الموحد القائم بالله تعالى الفاني عن غيره ، والعدل على ما قيل : ظل الوحدة في عالم الكثيرة (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) صراط العزيز الحميد الذي عليه خاصته تعالى من أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبيعة لأهل الحقيقة يمرون عليه كالبرق اللامع (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) علم مراتب الغيوب أو ما غاب من حقيقتهما أو ما خفي فيهما من أمر القيامة الكبرى (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) أي القيامة الكبرى بالقياس إلى الأمور الزمانية (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) وهو بناء على التمثيل وإلا فقد قيل : إن أمر الساعة ليس بزماني وما كان كذلك يدركه من يدركه لا في الزمان (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن ذلك أمر الساعة (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) الآية ، قال في أسرار القرآن : أخبر سبحانه أنه أخرجهم من بطون الأقدار وأرحام العدم وأصلاب المشيئة على نعت الجهل لا يعلمون شيئا من أحكام الربوبية وأمور العبودية وأوصاف الأزل فالبسهم أسماعا من نور سمعه وكساهم أبصارا من نور بصره وأودع في قلوبهم علوم غيبته لعلهم يشكرونه انتهى. وهو ظاهر في أن المراد بالأفئدة القلوب.
وذكر بعض من أدركناه من المرتاضين في كتابه الفوائد وشرحه أن مشاعر الإنسان الصدر ، والمراد به الخيال والنفس الكلية التي هي محل الصور العلمية كلية أو جزئية فهو محل العلم المقابل للجهل ، والقلب وهو محل المعاني واليقين بالنسب الحكمية ويقابله الشك والريب ، والفؤاد وهو محل المعارف الإلهية المجرد عن جميع الصور والنسب والأوضاع والإشارات والجهات والأوقات ويقابلها الإنكار وهو أعلى المشاعر ، ونور الله تعالى المشار إليه
بقوله صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى» وهو الوجود لأنه الجهة العليا من الإنسان أعني وجهه من جهة ربه وبه يعرف الله تعالى وهو في الإنسان بمنزلة الملك في المدينة والقلب بمنزلة الوزير له انتهى ، وله أيضا كلام