روي عن ابن إسحاق أنهم لما استعطفوه رق لهم ورحمهم حتى أنه أرفض دمعه باكيا ولم يملك نفسه فشرع في التعرف لهم ، وأراد بما فعلوه به جميع ما جرى وبما فعلوه بأخيه أذاهم له وجفاءهم إياه وسوء معاملتهم له وإفرادهم له كما سمعت ، ولم يذكر لهم ما آذوا به أباهم على ما قيل تعظيما لقدره وتفخيما لشأنه أن يذكره مع نفسه وأخيه مع أن ذلك من فروع ما ذكر ، وقيل : إنهم أدوا إليه كتابا من أبيهم وصورته كما في الكشاف من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء ، أما جدي فشدت يداه ورجلاه ورمي به في النار ليحرق فنجاه الله تعالى وجعلت النار عليه بردا وسلاما ، وأما أبي فوضع على قفاه السكين ليقتل ففداه الله تعالى ، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب الأولاد إلي فذهب به اخوته إلى البرية ثم أتوني بقميصه ملطخا بالدم وقالوا : قد أكله الذئب فذهبت عيناي من بكائي عليه ثم كان لي ابن كان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا : إنه سرق وإنك حبسته لذلك وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فإن رددته علي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي روق نحوه ، فلما قرأ يوسف عليهالسلام الكتاب لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم ذلك. وروي أنه لما قرأ الكتاب بكى وكتب الجواب اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا هذا ، وما أشرنا إليه من كون المراد إثبات الجهل لهم حقيقة هو الظاهر ، وقيل : لم يرد نفي العلم عنهم لأنهم كانوا علماء ولكنهم لما لم يفعلوا ما يقتضيه العلم وترك مقتضى العلم من صنيع الجهال سماهم جاهلين ، وقيل : المراد جاهلون بما يؤول إليه الأمر ، وعن ابن عباس والحسن (جاهِلُونَ) صبيان قبل أن تبلغوا أوان الحلم والرزانة ، وتعقب بأنه ليس بالوجه لأنه لا يطابق الوجود وينافي (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) فالظاهر عدم صحة الإسناد ، وزعم في التحرير أن قول الجمهور : إن الاستفهام للتقرير والتوبيخ ومراده عليهالسلام تعظيم الواقعة أي ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وأخيه كما يقال : هل تدري من عصيت؟ وقيل : هل بمعنى قد كما في (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [الإنسان : ١] والمقصود هو التوبيخ أيضا وكلا القولين لا يعول عليه والصحيح ما تقدم. ومن الغريب الذي لا يصح البتة ما حكاه الثعلبي أنه عليهالسلام حين قالوا له ما قالوا غضب عليهم فأمر بقتلهم فبكوا وجزعوا فرق لهم وقال : (هَلْ عَلِمْتُمْ) إلخ (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) استفهام تقرير ولذلك أكد بإن واللام لأن التأكيد يقتضي التحقق المنافي للاستفهام الحقيقي ، ولعلهم قالوه استغرابا وتعجبا ، وقرأ ابن كثير وقتادة وابن محيصن «إنك» بغير همزة استفهام ، قال في البحر : والظاهر أنها مرادة ويبعد حمله على الخبر المحض ، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر إن اتحد القائلون وهو الظاهر ، فإن قدر أن بعضا استفهم وبعضا أخبر ونسب كل إلى المجموع أمكن وهو مع ذلك بعيد ، وأنت في القراءتين مبتدأ و (يُوسُفُ) خبره والجملة في موضع الرفع خبر إن ، ولا يجوز أن يكون أنت تأكيدا للضمير الذي هو اسم ـ إن ـ لحيلولة اللام ، وقرأ أبي «أإنك أو أنت يوسف» وخرج ذلك ابن جني في كتاب المحتسب على حذف خبر إن وقدره أإنك لغير يوسف أو أنت يوسف ، وكذا الزمخشري إلا أنه قدره أإنك يوسف أو أنت يوسف ثم قال : وهذا كلام متعجب مستغرب لما يسمع فهو يكرر الاستيثاق ، قال في الكشف : وما قدره أولى لقلة الإضمار وقوة الدلالة على المحذوف وإن كان الأول أجري على قانون الاستفهام ، ولعل الأنسب أن يقدر أإنك أنت أو أنت يوسف تجهيلا لنفسه أن يكون مخاطبه يوسف أي أإنك المعروف عزيز مصر أو أنت يوسف ، استبعدوا أن يكون العزيز يوسف أو يوسف عزيزا ، وفيه قلة الإضمار أيضا مع تغاير المعطوف والمعطوف عليه وقوة الدلالة على المحذوف والجري على قانون الاستفهام مع زيادة الفائدة من إيهام البعد بين الحالتين.
فإن قيل : ذاك أوفق للمشهور لقوة الدلالة على أنه هو ، يجاب بأنه يكفي في الدلالة على الأوجه كلها أن