نصب الشبيه بالمضاف وتنوينه هو مذهب البصريين ، وأجاز البغداديون لا طالع جبلا بلا تنوين أجروه في ذلك مجرى المضاف كما أجروه مجراه في الإعراب وعليه يتخرج الحديث «لا مانع» إلخ.
فيمكن أن يكون مبنى ما قاله أبو حيان وغيره مذهب البصريين ، والحديث المذكور لا يتعين ـ كما قال الدنوشري أخذا من كلام المغني في الجهة الثانية من الباب الخامس ـ حمله على ما ذكر لجواز كون اسم (لا) فيه مفردا واللام متعلقة بالخبر والتقدير لا مانع مانع لما أعطيت وكذا فيما بعده. وذكر الرضي أن الظرف بعد النفي لا يتعلق بالمنفي بل بمحذوف وهو خبر وأن (الْيَوْمَ) في الآية معمول (عَلَيْكُمُ) ويجوز العكس ، واعترض أيضا حديث الفصل بين المصدر ومعموله بما فيه ما فيه ، وقيل : (عَلَيْكُمُ) بيان كلك في سقيا لك فيتعلق بمحذوف و (الْيَوْمَ) خبر.
وجوز أيضا كون الخبر ذاك و (الْيَوْمَ) متعلقا بقوله : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ونقل عن المرتضى أنه قال في الدرر : قد ضعف هذا قوم من جهة أن الدعاء لا ينصب ما قبله ولم يشتهر ذلك ، وقال ابن المنير : لو كان متعلقا به لقطعوا بالمغفرة بأخبار الصديق ولم يكن كذلك لقولهم : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) [يوسف : ٩٧] وتعقب بأنه لا طائل تحته لأن المغفرة وهي ستر الذنب يوم القيامة حتى لا يؤاخذوا به ولا يقرعوا إنما يكون ذلك الوقت وأما قبله فالحاصل هو الإعلام به والعلم بتحقق وقوعه بخبر الصادق لا يمنع الطلب لأن الممتنع طلب الحاصل لا طلب ما يعلم حصوله ، على أنه يجوز أن يكون هضما للنفس واعتبر باستغفار الأنبياء عليهمالسلام ، ولا فرق بين الدعاء والاخبار هنا انتهى.
وقد يقال أيضا : إن الذي طلبوه من أبيهم مغفرة ما يتعلق به ويرجع إلى حقه ولم يكن عندهم علم بتحقق ذلك ، على أنه يجوز أن يقال : إنهم لم يعتقدوا إذ ذاك نبوته وظنوه مثلهم غير نبي فإنه لم يمض وقت بعد معرفة أنه يوسف يسع معرفة أنه نبي أيضا وما جرى من المفاوضة لا يدل على ذلك فافهم ، وإلى حمل الكلام على الدعاء ذهب غير واحد وذهب جمع أيضا إلى كونه خبرا. والحكم بذلك مع أنه غيب قيل : لأنه عليهالسلام صفح عن جريمتهم حينئذ وهم قد اعترفوا بها أيضا فلا محالة أنه سبحانه يغفر لهم ما يتعلق به تعالى وما يتعلق به عليهالسلام بمقتضى وعده جل شأنه بقبول توبة العباد ، وقيل : لأنه عليهالسلام قد أوحي إليه بذلك ، وأنت تعلم أن أكثر القراء على الوقف على (الْيَوْمَ) وهو ظاهر في عدم تعلقه ـ بيغفر ـ وهو اختيار الطبري وابن إسحاق. وغيرهم واختاروا كون الجملة بعد دعائية وهو الذي يميل إليه الذوق والله تعالى أعلم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فإن كل من يرحم سواه جل وعلا فإنما يرحم برحمته سبحانه مع كون ذلك مبنيا على جلب نفع أو دفع ضر ولا أقل من دفع ما يجده في نفسه من التألم الروحاني مما يجده في المرحوم ، وقيل : لأنه تعالى يغفر الصغائر والكبائر التي لا يغفرها غيره سبحانه ويتفضل على التائب بالقبول ، والجملة إما بيان للوثوق بإجابة الدعاء أو تحقيق لحصول المغفرة لأنه عفا عنهم فالله تعالى أولى بالعفو والرحمة لهم هذا.
ومن كرم يوسف عليهالسلام ما روي أن إخوته أرسلوا إليه إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشية ونحن نستحي منك بما فرط منا فيك فقال عليهالسلام : إن أهل مصر وإن ملكت فيهم كانوا ينظرون إلي بالعين الأولى ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت بكم الآن وعظمت في العيون حيث عليم الناس أنكم اخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليهالسلام ، والظاهر أنه عليهالسلام أنه حصل بذلك من العلم للناس ما لم يحصل قبل فإنه عليهالسلام على ما دل عليه بعض الآيات السابقة والأخبار قد أخبرهم أنه ابن من وممن.
وكذا ما أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : قال الملك يوما