وفي التوراة أن يوسف عليهالسلام أسكن أباه وإخوته في مكان يقال له عين شمس من أرض السدير وبقي هناك سبع عشرة سنة وكان عمره حين دخل مصر مائة وثلاثين سنة ولما قرب أجله دعا يوسف عليهالسلام فجاء ومعه ولداه (١) منشا وهو بكره وافرايم فقدمهما إليه ودعا لهما ووضع يده اليمنى على رأس الأصغر واليسرى على رأس الأكبر وكان يوسف يحب عكس ذلك فكلم أباه فيه فقال : يا بني إني لأعلم أن ما يتناسل من هذا الأصغر أكثر مما يتناسل من هذا الأكبر ودعا ليوسف عليهالسلام وبارك عليه وقال : يا بني إني ميت كان الله تعالى معكم وردكم إلى بلد أبيكم يا بني إذا أنا مت فلا تدفنني في مصر وادفني في مقبرة آبائي وقال : نعم يا أبت وحلف له ثم دعا سائر بنيه وأخبرهم بما ينالهم في أيامهم ثم أوصاهم بالدفن عند آبائه في الأرض التي اشتراها إبراهيم عليهالسلام من عفرون الختي في أرض الشام وجعلها مقبرة ، وبعد أن فرغ من وصيته عليهالسلام توفي فانكب يوسف عليهالسلام يقبله ويبكي وأقام له حزنا عظيما وحزن عليه أهل مصر كثيرا ثم ذهب به يوسف وإخوته وسائر آله سوى الأطفال ومعهم قواد الملك ومشايخ أهل مصر ودفنوه في المكان الذي أراد ثم رجعوا ، وقد توهم إخوة يوسف منه عليهالسلام أن يسيء المعاملة معهم بعد موت أبيهم عليهالسلام فلما علم ذلك منهم قال لهم : لا تخافوا إني أخاف الله تعالى ثم عزاهم وجبر قلوبهم ثم أقام هو وآل أبيه بمصر وعاش مائة وعشر سنين حتى رأى لافرايم ثلاثة بنين وولد بنو ما خير بن منشا في حجره أيضا ، ثم لما أحس بقرب أجله قال لإخوته : إني ميت والله سبحانه سيذكركم ويردكم إلى البلد الذي أقسم أن يملكه إبراهيم وإسحاق ويعقوب فإذا ذكركم سبحانه وردكم إلى ذلك البلد فاحملوا عظامي معكم ثم توفي عليهالسلام فحنطوه وصيروه في تابوت بمصر وبقي إلى زمن موسى عليهالسلام فلما خرج حمله حسبما أوصى عليهالسلام (٢)(ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من أنباء يوسف عليهالسلام ، وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا ، والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم وهو مبتدأ وقوله تعالى : (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) الذي لا يحوم حوله أحد خبره ، وقوله سبحانه : (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) خبر بعد خبر أو حال من الضمير في الخبر ، وجوز أن يكون (ذلِكَ) اسما موصولا مبتدأ و (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) صلته و (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) خبره وهو مبني على مذهب مرجوح من جعل سائر أسماء الإشارة موصولات.
(وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) يريد إخوة يوسف عليهالسلام (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) وهو جعلهم إياه في غيابة الجب (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) به ويبغون له الغوائل ، والجملة قيل : كالدليل على كون ذلك من أنباء الغيب وموحى إليه عليه الصلاة والسلام ، والمعنى أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف عليهالسلام حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب وهم يمكرون به ، ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحدا سمع ذلك فتعلمته منه ، وهذا من المذهب الكلامي على ما نص عليه غير واحد وإنما حذف الشق الأخير مع أن الدال على ما ذكر مجموع الأمرين لعلمه من آية أخرى كقوله تعالى : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ) [هود : ٤٩] وقال بعض المحققين : إن هذا تهكم بمن كذبه وذلك من حيث أنه تعالى جعل المشكوك فيه كونه عليهالسلام
__________________
(١) بالنون في التوراة افرايم بالياء بعد الألف والمضبوط عندنا غير ذلك والأمر سهل ا ه منه.
(٢) وأخرج ابن ابي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز أنه عليهالسلام لم يعرف موضعه ولم يجد أحدا يخبره إلا امرأة يقال لها تارخ بنت شيرين بن يعقوب فاشترطت عليه أن تصير شابة كلما كبرت وأن تكون منه عليهالسلام في درجته يوم القيامة ففعل بعد أن امتنع من الطلبة الثانية حتى أمر بإمضائها فدلته فأخرجه فعادت بنت ثلاثين وعمرت الفا وستمائة او اربعمائة سنة حتى أدركت سليمان عليهالسلام فتزوجها اه منه.