قراءة من قرأ (ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) [المائدة : ٨٩] بسكون الياء ، وقيل : الأصل ننجي بنونين فأدغم النون في الجيم. ورده أبو حيان بأنها لا تدغم فيها ، وتعقب بأن بعضهم قد ذهب إلى جواز ادغامها ورويت هذه القراءة عن الكسائي ونافع ، وقرأت فرقة كما قرأ باقي السبعة بنونين مضارع أنجى إلا أنهم فتحوا الياء ، ورواها هبيرة عن حفص عن عاصم ، وزعم ابن عطية أن ذلك غلط من هبيرة إذ لا وجه للفتح ، وفيه أن الوجه ظاهر ، فقد ذكروا أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوبا بإضمار أن بعد الفاء كقراءة من قرأ (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ) [البقرة : ٢٨٤] بنصب يغفر ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون أداة الشرط جازمة أو غير جازمة.
وقرأ نصر بن عاصم وأبو حيوة وابن السميفع وعيسى البصرة وابن محيصن وكذا الحسن ومجاهد في رواية «فنجا» ماضيا مخففا و «من» فاعله. وروي عن ابن محيصن أنه قرأ كذلك إلا أنه شدد الجيم ، والفاعل حينئذ ضمير النصر و «من» مفعوله. وقد رجحت قراءة عاصم ومن معه بأن المصاحف اتفقت على رسمها بنون واحدة. وقال مكي : أكثر المصاحف عليه فأشعر بوقوع خلاف في الرسم ، وحكاية الاتفاق نقلت عن الجعبري وابن الجزري وغيرهما ، وعن الجعبري أن قراءة من قرأ بنونين توافق الرسم تقديرا لأن النون الثانية ساكنة مخفاة عند الجيم كما هي مخفاة عند الصاد والظاء في لننصر ولننظر والإخفاء لكونه سترا يشبه الإدغام لكونه تغييبا فكما يحذف عند الإدغام يحذف عند الإخفاء بل هو عنده أولى لمكان الاتصال. وعن أبي حيوة أنه قرأ «فنجّي من يشاء» بياء الغيبة أي من يشاء الله تعالى نجاته (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) إذا نزل بهم ، وفيه بيان لمن تعلق بهم المشيئة لأنه يعلم من المقابلة أنهم من ليسوا بمجرمين. وقرأ الحسن «بأسه» بضمير الغائب أي بأس الله تعالى ، ولا يخفى ما في الجملة من التهديد والوعيد لمعاصري النبي صلىاللهعليهوسلم (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) أي قصص الأنبياء عليهمالسلام وأممهم ، وقيل : قصص يوسف وأبيه وإخوته عليهمالسلام وروي ذلك عن مجاهد وقيل : قصص أولئك وهؤلاء ، والقصص مصدر بمعنى المفعول ورجح الزمخشري الأول بقراءة أحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي. وعبد الوارث عن أبي عمرو «قصصهم» بكسر القاف جمع قصة. ورد بأن قصة يوسف وأبيه وإخوته مشتملة على قصص وأخبار مختلفة على أنه قد يطلق الجمع على الواحد ، وفيه أنه كما قيل إلا أنه خلاف المتبادر المعتاد فإنه يقال في مثله قصة لا قصص ، واقتصر ابن عطية على القول الثالث وهو ظاهر في اختياره (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي لذوي العقول المبرأة عن الأوهام الناشئة عن الألف والحس. وأصل اللب الخالص من الشيء ثم أطلق على ما زكا من العقل فكل لب عقل وليس كل عقل لبا ، وقال غير واحد : إن اللب هو العقل مطلقا وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من قواه ، ولم يرد في القرآن إلا جمعا ، والعبرة ـ كما قال الراغب ـ الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد ، وفي البحر أنها الدلالة التي يعبر بها إلى العلم (ما كانَ) أي القرآن المدلول عليه بما سبق دلالة واضحة. واستظهر أبو حيان عود الضمير إلى القصص فيما قبل ، واختار بعضهم الأول لأنه يجري على القراءتين بخلاف عوده إلى المتقدم فإنه لا يجري على قراءة القصص بكسر القاف لأنه كان يلزم تأنيث الضمير ، وجوز بعضهم عوده إلى القصص بالفتح في القراءة به وإليه في ضمن المكسور في القراءة به وكذا إلى المكسور نفسه ، والتذكير باعتبار الخبر وهو كما ترى (حَدِيثاً يُفْتَرى) أي يختلق (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب السماوية (وَتَفْصِيلَ) أي تبيين (كُلِّ شَيْءٍ) قيل : أي مما يحتاج إليه في الدين إذ ما من أمر ديني إلا وهو يستند إلى القرآن بالذات أو بوسط ، وقال ابن الكمال : إن (كُلِ) للتكثير والتفخيم لا للإحاطة والتعميم كما في قوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] ومن لم يتنبه لهذا احتاج إلى تخصيص الشيء بالذي يتعلق بالدين ثم تكلف في بيانه فقال : إذ ما من أمر إلخ ولم يدر