سورة الرّعد
جاء من طريق مجاهد عن ابن عباس. وعلي بن أبي طلحة أنها مكية ، وروي ذلك عن سعيد بن جبير قال سعيد ابن منصور في سننه : حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال : سألت ابن جبير عن قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد : ٣٩] هل هو عبد الله بن سلام؟ فقال : كيف وهذه السورة مكية. وأخرج مجاهد عن ابن الزبير ، وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس ، ومن طريق ابن جريج. وعثمان عن عطاء عنه ، وأبو الشيخ عن قتادة أنها مدنية إلا أن في رواية الأخير استثناء قوله تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) [الرعد : ٣١] الآية فإنها مكية ، وروي أن أولها إلى آخر (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) [الرعد : ٣١]. الآية مدني وباقيها مكي. وفي الإتقان يؤيد القول بأنها مدنية ما أخرجه الطبراني وغيره عن أنس أن قوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) [الرعد : ٨] إلى قوله سبحانه : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) [الرعد : ١٣] نزل في قصة أربد بن قيس وعامر بن الطفيل حين قدما المدينة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : والذي يجمع به بين الاختلاف أنها مكية إلا آيات منها ، وهي ثلاث وأربعون آية في الكوفي ، وأربع في المدني ، وخمس في البصري ، وسبع في الشامي. ووجه مناسبتها لما قبلها أنه سبحانه قال فيما تقدم : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) [يوسف : ١٠٥] فأجمل سبحانه الآيات السماوية والأرضية ثم فصل جل شأنه ذلك هنا أتم تفصيل ، وأيضا أنه تعالى قد أتى هنا مما يدل على توحيده عزوجل ما يصلح شرحا لما حكاه عن يوسف عليهالسلام من قوله : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف : ٣٩] وأيضا في كل من السورتين ما فيه تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، هذا مع اشتراك آخر تلك السورة وأول هذه فيما فيه وصف القرآن كما لا يخفى. وجاء في فضلها ما أخرجه ابن أبي شيبة. والمروزي في الجنائز أنه كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت وأنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه ، وجاء في ذلك أخبار أخر نصوا على وضعها والله تعالى أعلم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ