وبين صفتها وهي قوله تعالى : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) فاصلة أو يطول الفصل بين المتعاطفين ، وصنوان جمع صنو وهو الفرع الذي يجمعه وآخر أصل واحد وأصله المثل ، ومنه قيل : للعم صنو ، وكسر الصاد في الجمع كالمفرد هو اللغة المشهورة وبها قرأ الجمهور ، ولغة تميم وقيس (صِنْوانٌ) بالضم كذئب وذؤبان وبذلك قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والسلمي. وابن مصرف ، ونقله الجعبري في شرح الشاطبية عن حفص.
وقرأ الحسن ، وقتادة بالفتح ، وهو على ذلك اسم جمع كالسعدان لا جمع تكسير لأنه ليس من أبنيته ، وقرأ الحسن «جنات» بالنصب عطفا عند بعض على «زوجين» مفعول «جعل» و «من كل الثمرات» حينئذ حال مقدمة لا صلة «جعل» لفساد المعنى عليه أن جعل فيها زوجين حال كونه من كل الثمرات وجنات من أعناب ، ولا يجب هنا تقييد المعطوف بقيد المعطوف عليه.
وزعم بعضهم أن العطف على (رَواسِيَ) وقال أبو حيان : الأولى إضمار فعل لبعد ما بين المتعاطفين أو بالجر عطفا على (كُلِّ الثَّمَراتِ) على أن يكون هو مفعولا بزيادة (مِنْ) في الإثبات و (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) حالا منه ، والتقدير وجعل فيها من كل الثمرات حال كونها صنفين ، فلعل عدم نظم قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) في هذا السلك مع أن اختصاص كل من تلك القطع بما لها من الأحوال والصفات بمحض خلق الخالق الحكيم جلت قدرته حين مد الأرض ودحاها ـ على ما قيل ـ الإيماء إلى كون تلك الأحوال صفات راسخة لتلك القطع. وقرأ جمع من السبعة (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) بالجر على أن العطف على (أَعْنابٍ) وهو كما في الكشف من باب ـ متقلدا سيفا ورمحا ـ أو المراد أن في الجنات فرجا مزروعة بين الأشجار وإلا فلا يقال للمزرعة وحدها جنة وهذا أحسن منظرا وأنزه. وادعى أبو حيان أن في جعل الجنة من الأعناب تجوزا لأن الجنة في الحقيقة هي الأرض التي فيها الأعناب (يُسْقى) أي ما ذكر من القطع والجنات والزرع والنخيل وقرأ أكثر السبعة بالتأنيث مراعاة للفظ ؛ وهي قراءة الحسن. وأبي جعفر ، قيل : والأول أوفق بمقام بيان اتحاد الكل في حالة السقي (بِماءٍ واحِدٍ) لا اختلاف في طبعه سواء كان السقي من ماء الأمطار أو من ماء الأنهار ، وقيل : إن الثاني أوفق بقوله سبحانه : (وَنُفَضِّلُ) أي مع وجود أسباب التشابه بمحض قدرتنا وإحساننا (بَعْضَها عَلى بَعْضٍ) آخر منها (فِي الْأُكُلِ) لمكان التأنيث ، وأمال فتحة القاف حمزة والكسائي والأكل بضم الهمزة والكاف وجاء تسكينها ما يؤكل ، وهو هنا الثمر والحب ، وقول بعضهم : أي في الثمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما من باب التغليب ، وقرأ حمزة والكسائي «يفضل» بالياء على بناء الفاعل ردا على (يُدَبِّرُ) و (يُفَصِّلُ) و (يُغْشِي) وقرأ يحيى بن يعمر وهو أول من نقط المصحف. وأبو حيوة والحلبي عن عبد الوارث بالياء على بناء المفعول ورفع «بعضها» وفيه ما لا يخفى من الفخامة والدلالة على أن عدم احتمال استناد الفعل إلى فاعل آخر مغن عن بناء الفعل للفاعل (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي فصل من أحوال القطع وغيرها (لَآياتٍ) كثيرة عظيمة باهرة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يعلمون على قضية عقولهم فإن من عقل هاتيك الأحوال العجيبة وخروج الثمار المختلفة في الأشكال والألوان والطعوم والروائح في تلك القطع المتباينة المتلاصقة مع اتحاد ما تسقى به بل وسائر أسباب نموها لا يتلعثم في الجزم بأن لذلك صانعا حكيما قادرا مدبرا لها لا يعجزه شيء ، وقيل : المراد أن من عقل ذلك لا يتوقف في الجزم بأن من قدر على إبداع ما ذكر قادر على إعادة ما أبداه بل هي أهون في القياس ولعل ما ذكرناه أولى. ثم إن الأحوال وإن كانت هي الآيات أنفسها لا أنها فيها إلا أنها قد جردت عنها أمثالها مبالغة في كونه آية ـ ففي ـ تجريدية مثلها في قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) [فصلت: ٢٨] على المشهور. وجوز أن يكون المشار إليه الأحوال الكلية ، والآيات إفرادها الحادثة شيئا فشيئا في الأزمنة وآحادها الواقعة في الأقطار والأمكنة المشاهدة لأهلها ـ ففي ـ على معناها ؛ ومنهم من فسر الآيات بالدلالات لتبقى في على ذلك وهو كما ترى ، وحيث كانت دلالة