أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض ثم تلا (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) الآية ثم قال : كم لبث القوم؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين فقال : لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله تعالى (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) ولكنه سبحانه حكى مقالة القوم فقال تعالى (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) إلى قوله تعالى (رَجْماً بِالْغَيْبِ) فأخبر أنهم لا يعلمون وقال : سيقولون لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ولعل هذا لا يصح عن الحبر رضي الله تعالى عنه فقد صح عنه القول بأن عدة أصحاب الكهف سبعة وثامنهم كلبهم مع أنه تعالى عقب القول بذلك بقوله سبحانه (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) ولا فرق بينه وبين قوله تعالى (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) فلم دل هذا على الرد ولم يدل ذاك.
نعم قرأ ابن مسعود «قالوا لبثوا كهفهم» وهو يقتضي أن يكون من كلام الخائضين في شأنهم إلا أن التعقيب بقوله تعالى (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) كتعقيب القول الثالث في العدة بما سمعت في عدم الدلالة على الرد.
والظاهر أن ضمير (وَازْدَادُوا) على هذا القول لأصحاب الكهف كما أنه كذلك على القول السابق ، وقال الخفاجي : إن الضمير عليه لأهل الكتاب بخلافه على الأول ، ويظهر فيه وجه العدول عن ثلاثمائة وتسع سنين لأن بعضهم قال : لبثوا ثلاثمائة وبعضهم قال : إنه أزيد بتسعة اه. ولا يخفى ما فيه ، وعلى القولين الظاهر أن (بِما لَبِثُوا) إشارة إلى المدة السابق ذكرها ، وزعم بعضهم أنه إشارة إلى المدة التي بعد الاطلاع عليهم إلى زمن الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو كما ترى ، وقيل إنه تعالى لما قال (وَازْدَادُوا تِسْعاً) كانت التسع مبهمة لا يدري أنها سنون أم شهور أم أيام أم ساعات واختلف في ذلك بنو إسرائيل فأمر صلىاللهعليهوسلم برد العلم إليه عزوجل في التسع فقط اه وليس بشيء فإنه إذا سبق عدد مفسر وعطف عليه ما لم يفسر حمل تفسيره على السابق فعندي مائة درهم وعشرة ظاهر في وعشرة دراهم وليس بمجمل كما لا يخفى.
هذا ونصب (تِسْعاً) على أنه مفعول (ازْدَادُوا) وهو مما يتعدى إلى واحد ، وقال أبو البقاء : إن زاد يتعدى إلى اثنين وإذا بني على افتعل تعدى إلى واحد ، وظاهر كلام الراغب وغيره أن زاد قد تتعدى إلى واحد يقال : زدته كذا فزاد هو وازداد كذا ، ووجه ذلك ظاهر فلا تغفل ، والجمهور على أن (سِنِينَ) في القراءة بتنوين «مائة» منصوب لكن اختلفوا في توجيه ذلك فقال أبو البقاء وابن الحاجب : هو منصوب على البدلية من (ثَلاثَ مِائَةٍ).
وقال الزمخشري : على أنه عطف بيان لثلاثمائة ، وتعقبه في البحر بأنه لا يجوز على مذهب البصريين.
وادعى بعضهم أنه أولى من البدلية لأنها تستلزم أن لا يكون العدد مقصودا ، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال : لما نزلت هذه الآية (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ) قيل : يا رسول الله أياما أم أشهرا أم سنين؟ فأنزل الله تعالى سنين.
وجوز ابن عطية الوجهين ، وقيل : على التمييز ، وتعقب بأنه يلزم عليه الشذوذ من وجهين ، وستعلم وجهه قريبا إن شاء الله تعالى ، وبما نقل في المفصل عن الزجاج أنه يلزم أن يكونوا لبثوا تسعمائة سنة ، قال ابن الحاجب : ووجهه أنه فهم من لغتهم أن مميز المائة واحد من مائة كما إذا قلت مائة رجل فرجل واحد من المائة فلو كان سنين تمييزا لكان واحدا من ثلاثمائة وأقل السنين ثلاثة فكان كأنه قيل ثلاثمائة ثلاث سنين فيكون تسعمائة سنة. ويرد بأن ما ذكر مخصوص بما إذا كان التمييز مفردا وأما إذا كان جمعا فالقصد فيه كالقصد في وقوع التمييز جمعا في نحو ثلاثة أثواب مع أن الأصل في الجميع الجمع ، وإنما عدلوا إلى المفرد لعلة كما بين في محله فإذا استعمل التمييز جمعا استعمل على الأصل ، وما قال إنما يلزم لو كان ما استعمل جمعا استعمل كما استعمل المفرد فأما إذا استعمل الجمع على أصله في ما وضع له العدد فلا انتهى.