كَهْفِهِمْ) أحياء مضروبا على آذانهم (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) وهي جملة مستأنفة مبينة كما قال مجاهد لما أجمل في قوله تعالى (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) [الكهف : ١١] واختار ذلك غير واحد ، قال في الكشف : فعلى هذا قوله تعالى (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) تقرير لكون المدة المضروب فيها على آذانهم هي هذه المدة كأنه قيل قل الله أعلم بما لبثوا وقد أعلم فهو الحق الصحيح الذي لا يحوم حوله شك قط ، وفائدة تأخير البيان التنبيه على أنهم تنازعوا في ذلك أيضا لذكره عقيب اختلافهم في عدة أشخاصهم وليكون التذييل بقل الله أعلم محاكيا للتذييل بقوله سبحانه (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) وللدلالة على أنه من الغيب الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام ليكون معجزا له ، ولو قيل : فضربنا على آذانهم سنين عددا وأتى به مبينا أولا لم يكن فيه هذه الدلالة البتة ، فهذه عدة فوائد والأصل الأخيرة انتهى ، ويحتاج على هذا إلى بيان وجه العدول عن المتبادر وهو ثلاثمائة وتسع سنين مع أنه أخصر وأظهر فقيل هو الإشارة إلى أنها ثلاثمائة بحساب أهل الكتاب واعتبار السنة الشمسية وثلاثمائة وتسع بحساب العرب واعتبار السنة القمرية فالتسع مقدار التفاوت ، وقد نقله بعضهم عن علي كرم الله تعالى وجهه.
واعترض بأن دلالة اللفظ على ما ذكر غير ظاهرة مع أنه لا يوافق ما عليه الحساب والمنجمون كما قاله الإمام لأن السنة الشمسية ثلاثمائة وخمس وستون يوما وخمس ساعات وتسع وأربعون دقيقة على مقتضى الرصد الإيلخاني والسنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة فيكون التفاوت بينهما عشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة ودقيقة واحدة وإذا كان هذا تفاوت سنة كان تفاوت مائة ألف يوم وسبعة وثمانين يوما وثلاث عشرة ساعة وأربع دقائق وهي ثلاثة سنين وأربعة وعشرون يوما وإحدى عشرة ساعة وست عشرة دقيقة فيكون تفاوت ثلاثمائة سنة تسع سنين وثلاثا وسبعين يوما وتسع ساعات وثمانيا وأربعين دقيقة (١) ولذا قيل إن روايته عن علي كرم الله تعالى وجهه لم تثبت. وبحث فيه الخفاجي بأن وجه الدلالة فيه ظاهر لأن المعنى لبثوا ثلاثمائة سنة على حساب أهل الكتاب الذين علموا قومك السؤال عن شأنهم وتسعا زائدة على حساب قومك الذين سألوك عن ذلك ، والعدول عن الظاهر يشعر به ، ودعوى أن التفاوت تسع سنين مبنية على التقريب لأن الزائد لم يبلغ نصف سنة بل ولا فصلا من فصولها فلم يعبأ به ، وكون التفاوت تسعا تقريبا جار على سائر الأقوال في مقدار السنة الشمسية والسنة القمرية إذ التفاوت في سائرها لا يكاد يبلغ ربعا فضلا عن نصف ، وقال الطيبي في توجيه العدول : إنه يمكن أن يقال : لعلهم لما استكملوا ثلاثمائة سنة قربوا من الانتباه ثم اتفق ما أوجب بقاءهم نائمين تسع سنين. وتعقب بأن هذا يقتضي أن يكون المراد وازدادوا نوما أي قوي نومهم في تسع سنين ولا يخفى ما فيه.
وقال أيضا : يجوز أن يكون أهل الكتاب قد اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فجاء قوله تعالى : (وَلَبِثُوا) إلخ رافعا للاختلاف مبينا للحق ؛ ويكون (وَازْدَادُوا تِسْعاً) تقريرا ودفعا للاحتمال نظير الاستثناء في قوله تعالى (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى ولا يخلو عن حسن.
وقيل إنهم انتبهوا قليلا ثم ردوا إلى حالتهم الأولى فلذا ذكر الازدياد وهو الذي يقتضيه ما أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة المار في قوله تعالى (وَنُقَلِّبُهُمْ) إلخ وهو فيما أرى أقرب مما تقدم من حديث السنين الشمسية والقمرية.
وقال جمع : إن الجملة من كلام أهل الكتاب فهي من مقول (سَيَقُولُونَ) السابق وما بينهما اعتراض ونسب ذلك إلى ابن عباس ، فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : إن الرجل ليفسر الآية يرى
__________________
(١) وإذا اعتبر هذا سنين شمسية كان تسع سنين إلا أربعة وعشرين يوما وإحدى عشرة ساعة وإحدى وعشرين دقيقة اه منه.