العمل اتخاذ ذلك عبرة وعدم الاشتغال به. وقال بعضهم : أهل المعرفة بالله تعالى والمحبة له هم زينة الأرض وحسن العمل النظر إليهم بالحرمة.
(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) كناية عن ظهور فناء ذلك بظهور الوجود الحقاني والقيامة الكبرى (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) قال الجنيد قدس الله سره : أي لا تتعجب منهم فشأنك أعجب من شأنهم حيث أسري بك ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وبلغ بك سدرة المنتهى وكنت في القرب كقاب قوسين أو أدنى ثم ردك قبل انقضاء الليل إلى مضجعك.
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) قيل هم فتيان المعرفة الذين جبلوا على سجية الفتوة ، وفتوتهم إعراضهم عن غير الله تعالى فأووا إلى الكهف الخلوة به سبحانه (فَقالُوا) حين استقاموا في منازل الأنس ومشاهد القدس وهيجهم ما ذاقوا إلى طلب الزيادة والترقي في مراقي السعادة (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) معرفة كاملة وتوحيدا عزيزا (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) بالوصول إليك والفناء فيك (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) كناية عن جعلهم مستغرقين فيه سبحانه فانين به تعالى عما سواه (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) إشارة إلى ردهم إلى الصحو بعد السكر والبقاء بعد الفناء ، ويقال أيضا : هو إشارة إلى الجلوة بعد الخلوة وهما قولان متقاربان (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) الإيمان العلمي (وَزِدْناهُمْ هُدىً) بأن أحضرناهم وكاشفناهم (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) سكناها عن التزلزل بما أسكنا فيها من اليقين فلم يسنح فيها هواجس التخمين ولا وساوس الشياطين ، ويقال أيضا : رفعناها من حضيض التلوين إلى أوج التمكين.
(إِذْ قامُوا) بنا لنا (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مالك أمرهما ومدبرهما فلا قيام لهما إلا بوجوده المفاض من بحار جوده (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) إذ ما من شيء إلا وهو محتاج إليه سبحانه فلا يصلح لأن يدعى (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) كلاما بعيدا عن الحق مفرطا في الظلم ، واستدل بعض المشايخ بهذه الآية على أنه ينبغي للسالكين إذا أرادوا الذكر وتحلقوا له أن يقوموا فيذكروا قائمين ، قال ابن الغرس : وهو استدلال ضعيف لا يقوم به المدعي على ساق.
وأنت تعلم أنه لا بأس بالقيام والذكر لكن على ما يفعله المتشيخون اليوم فإن ذلك لم يكن في أمة من الأمم ولم يجىء في شريعة نبينا صلىاللهعليهوسلم بل لعمري أن تلك الحلق حبائل الشيطان وذلك القيام قعود في بحبوحة الخذلان (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) أي وإذ خرجتم عن صحبة أهل الهوى وأعرضتم عن السوي (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) فاخلوا بمحبوبكم (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) مطوي معرفته (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) ما تنتفعون به من أنوار تجلياته ولطائف مشاهداته ، قال بعض العارفين : العزلة عن غير الله تعالى توجب الوصلة بالله عزوجل بل لا تحصل الوصلة إلا بعد العزلة ألا ترى كيف كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتجنب بغار حراء حتى جاءه الوحي وهو فيه (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) لئلا يكثر الضوء في الكهف فيقل معه الحضور ، فقد ذكروا أن الظلمة تعين على الفكر وجمع الحواس ، ومن هنا ترى أهل الخلوة يختارون لخلوتهم مكانا قليل الضياء ومع هذا يغمضون أعينهم عند المراقبة.
وفي أسرار القرآن أن في الآية إشارة إلى أن الله تعالى حفظهم عن الاحتراق في السبحات فجعل شمس الكبرياء تزاور عن كهف قربهم ذات يمين الأزل وذات شمال الأبد وهم في فجوة وصال مشاهدة الجمال والجلال محروسون