عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) وذلك لتظهر عظمة قهره جل جلاله وآثار سطوته لجميع خلقه عزوجل (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) جزاء تقواهم (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) جزاء ظلمهم ، وهذه الآية كم أجرت من عيون العيون العيون.
فعن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه أنه كان يبكي ويقول : قد علمت أني وارد النار ولا أدري كيف الصدر بعد الورود ، وعن الحسن كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا التقوا يقول الرجل لصاحبه : هل أتاك أنك وارد؟ فيقول : نعم فيقول : هل أتاك أنك خارج؟ فيقول لا فيقول : ففيم الضحك إذن؟ (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) لما افتخروا بحظوظ الدنيا التي لا يفتخر بها إلا ذوو الهمم الدنية رد الله تعالى عليهم بأن ذلك استدراج ليس بإكرام والإشارة فيه أن كل ما يشغل عن الله تعالى والتوجه إليه عزوجل فهو شر لصاحبه (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) ركبانا على نجائب النور ، وقال ابن عطاء : بلغني عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه قال : ركبانا على متون المعرفة (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) فقيرا ذليلا منقادا مسلوب الأنانية بالكلية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) في القلوب المفطورة على حب الله تعالى وذلك أثر محبته سبحانه لهم ، وفي الحديث «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» إلخ ، ولا يشكل على هذا أنا نرى كثيرا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ممقوتين لأن الذين يمقتونهم قد فطرت قلوبهم على الشر وإن لم يشعروا بذلك ، ومن هنا يعلم أن بغض الصالحين علامة خبث الباطن (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) [الحشر : ١٠] وقيل : معنى (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) سيجعل لهم لذة وحلاوة في الطاعة ، والأخبار تؤيد ما تقدم والله تعالى أعلم وله الحمد على إتمام تفسير سورة مريم ونسأله جل شأنه التوفيق لإتمام تفسير سائر سور كتابه المعظم بحرمة نبيه صلىاللهعليهوسلم.