والمشهور بهذا الوصف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه وليس ذلك مختصا به ، فقد أخرج أبو نعيم في المعرفة وابن عساكر وابن مردويه من حديث عبد الرحمن بن أبيه أبي ليلى عن أبي ليلى الأنصاري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الصديقون ثلاثة ، حبيب النجار مؤمن آل يس الذي قال : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) ، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه وهو أفضلهم (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) إلخ فيه من لطف الدعوة إلى اتباع الحق والإرشاد إليه ما لا يخفى. وهذا مطلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا سيما إذا كان ذلك مع الأقارب ونحوهم قال (سَلامٌ عَلَيْكَ) هذا سلام الإعراض عن الأغيار وتلطف الأبرار مع الجهال ، قال أبو بكر بن طاهر : إنه لما بدا من آزر في خطابه عليهالسلام ما لا يبدو إلا من جاهل جعل جوابه السلام لأن الله تعالى قال : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣] (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أهاجر عنكم بديني ، ويفهم منه استحباب هجر الأشرار.
وعن أبي تراب النخشبي صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار ، وقد تضافرت الأدلة السمعية والتجربة على أن مصاحبتهم تورث القسوة وتثبط عن الخير (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) فيه من الدلالة على مزيد أدبه عليهالسلام مع ربه عزوجل ما فيه ، ومقام الخلة يقتضي ذلك فإن من لا أدب له لا يصلح أن يتخذ خليلا (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) كأن ذلك كان عوضا عمن اعتزل من أبيه وقومه لئلا يضيق صدره كما قيل : ولما اعتزل نبينا صلىاللهعليهوسلم الكون أجمع ما زاغ البصر وما طغى عوض عليه الصلاة والسلام بأن قال له سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠].
(وَاذْكُرْ) أيها الحبيب (فِي الْكِتابِ مُوسى) الكليم (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) لله تعالى في سائر شئونه ، قال الترمذي : المخلص على الحقيقة من يكون مثل موسى عليهالسلام ذهب إلى الخضر على السلام ليتأدب به فلم يسامحه في شيء ظهر له منه (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) قالوا النداء بداية والنجوى نهاية ، النداء مقام الشوق والنجوى مقام كشف السر (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) قيل : علم الله تعالى ثقل الأسرار على موسى عليهالسلام فاختار له أخاه هارون مستودعا لها فهارون عليهالسلام مستودع سر موسى عليهالسلام ، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) بالصبر على بذل نفسه أو بما وعد به استعداده من كمال التقوى لربه جل وعلا والتحلي بما يرضيه سبحانه من الأخلاق (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) وهو نوع من القرب من الله تعالى به عليه عليهالسلام. وقيل : السماء الرابعة والتفضل عليه بذلك لما فيه من كشف بعض أسرار الملكوت أولئك الذين أنعم الله عليهم بما لا يحيط نطاق الحصر به من النعم الجليلة (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً) مما كشف لهم من آياته تعالى ، وقد ذكر أن القرآن أعظم مجلي لله عزوجل (وَبُكِيًّا) من مزيد فرحهم بما وجدوه أو من خوف عدم استمرار ما حصل لهم من التجلي :
ونبكي إن نأوا شوقا إليهم |
|
ونبكي إن دنوا خوف الفراق |
(وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قيل : الرزق هاهنا مشاهدة الحق سبحانه ورؤيته عزوجل وهذا لعموم أهل الجنة وأما المحبوبون والمشتاقون فلا تنقطع عنهم المشاهدة لمحة ولو حجبوا لماتوا من ألم الحجاب (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) مثلا يلتفت إليه ويطلب منه شيء ، وقال الحسين بن الفضل : هل يستحق أحد أن يسمى باسم من أسمائه تعالى على الحقيقة (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ